فلا يمكن استعمال اللفظ في المعنيين على نحو الاستقلال ، لأن لازمه فناء اللفظ في كل واحد منهما في آن واحد وهو محال ، كيف ؟ فإن إفناءه في أحدهما وجعله وجها وعنوانا له يستحيل أن يجتمع مع إفنائه في الآخر وجعله وجها وعنوانا له ، فاللفظ الواحد لا يعقل أن يكون وجودا لمعنيين مستقلين في زمن واحد ، وهذا مبتن على أن تكون حقيقة الوضع عبارة عن جعل وجود اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى ، ولكن قد سبق بطلانه [1] مفصلا . وأما بناء على مسلكنا : من أن حقيقة الوضع هي التعهد والالتزام النفساني فلا مانع من ذلك ، لأن الاستعمال ليس إلا فعلية ذلك التعهد وجعل اللفظ علامة لإبراز ما قصده المتكلم تفهيمه ، ولا مانع - حينئذ - من جعله علامة لإرادة المعنيين المستقلين ، فاللفظ على هذا المسلك لا يكون إلا علامة لإبراز ما في أفق النفس ، وهو - أي : ما في الأفق - قد يكون معنى واحدا فاللفظ علامة لإبرازه ، وقد يكون مجموع المعنيين ، وقد يكون أحدهما لا بعينه ، وقد يكون كل من المعنيين مستقلا . ولا مانع من جعل اللفظ علامة على الجميع ، فكما أنه يجوز أن يجعل علامة لإرادة المجموع أو أحدهما فكذلك يجوز أن يجعل علامة لإرادة تفهيم كل واحد منها على نحو الاستقلال والعموم الاستغراقي ، إذ ليس شأن اللفظ على هذا إلا علامة في مقام الإثبات . ولا محذور في جعل شئ واحد علامة لإرادة تفهيم معنيين أو أزيد . ومن هنا قد قلنا سابقا [2] : إنه لا مانع من أن يراد بلفظ واحد تفهيم معناه وتفهيم أنه عارف باللغة التي يتكلم بها . فقد تحصل : أن الوضع على هذا المسلك لا يقتضي إلا التكلم بلفظ خاص عند قصد المتكلم تفهيم معنى مخصوص في أفق النفس وجعله علامة لإبرازه
[1] تقدم في القول الثاني من مبحث حقيقة الوضع ص 47 - 48 ، فراجع . [2] لم يعثر عليه في هذا الكتاب .