الجهة الثالثة : في بيان تمايز العلوم بعضها عن بعض . أما الكلام في الجهة الأولى : فغاية ما قيل أو يمكن أن يقال في وجهه : هو أن الغرض من أي علم من العلوم أمر واحد . مثلا : الغرض من علم الأصول : ( الاقتدار على الاستنباط ) . ومن علم النحو : ( صون اللسان عن الخطأ في المقال ) . ومن علم المنطق : ( صون الفكر عن الخطأ في الاستنتاج ) . وحيث إن هذا الغرض الوحداني يترتب على مجموع القضايا المتباينة في الموضوعات والمحمولات التي دونت علما واحدا وسميت باسم فارد يستحيل أن يكون المؤثر فيه هذه القضايا بهذه الصفة ، لاستلزامه تأثير الكثير بما هو كثير في الواحد بما هو واحد . فإذا يكشف ( إنا ) عن أن المؤثر فيه جامع ذاتي وحداني بينها بقانون : " أن المؤثر في الواحد لا يكون إلا الواحد بالسنخ " ، وهو موضوع العلم . وبتعبير آخر : أن البرهان على اقتضاء وحدة الغرض لوحدة القضايا موضوعا ومحمولا ليس إلا أن الأمور المتباينة لا تؤثر أثرا واحدا ، كما عليه جل الفلاسفة لولا كلهم . ويرد عليه : أولا : أن البرهان المزبور وإن سلم في العلل الطبعية لا في الفواعل الإرادية إلا أن الغرض الذي يترتب على مسائل العلوم لا يخلو : إما أن يكون واحدا شخصيا ، أو واحدا نوعيا ، أو عنوانيا . وعلى أي تقدير لا تكشف وحدة الغرض عن وجود جامع ما هوي وحداني بين تلك المسائل . أما على الأول : فإنه يترتب على مجموع المسائل من حيث المجموع ، لا على كل مسألة مسألة بحيالها واستقلالها ، فحينئذ المؤثر فيه المجموع من حيث هو ،