حياتي أينما التفتّ ، أينما توجهت وجدت لهذا أو ذاك منكم ، فأين الطيّبون البررة ؟ وأين أولئك الذين كان هذا الإنسان الَّذي رعاهم يجد في قربه منهم معنى من معاني حياته ؟ وامتدادا من امتدادات أمله ؟ أين الأوّلون الَّذين سبقوا إخوانهم بالهجرة قبل سنين وأين الباقون واللَّاحقون الذين تتابعوا خلال سنين جماعات ووحدانا . إنّ مثل أبيكم كما كتبت إلى أحدكم [1] مثل الشجرة تنمو أغصانها وتورق ، وتمتدّ في الفضاء عاليا ، ولكن تتمزق من داخلها ، جذورها وأعصابها الممتدة في الأرض . إنّ لحظات سوف تبقى خالدات - وكل لحظاتكم خالدات في نفس أبيكم - إنّ لحظة وقوفك أيّها السعيد [2] في فوهة السلَّم وأنت تودّعني وتبكي ، إن تلك اللحظة ما نسيتها ولن أنساها أبدا ، لأنها اللحظة الَّتي تصور البنوّة البارّة . إن تلك اللحظة التي ودّعتني فيها يا آقاي أخلاقي [3] ، وأنت تعيش لحظة من أحرج لحظاتك ، ودّعتني وكنت أحسّ بأنك تنتزع انتزاعا ، وأنّك تتمزق تمزّقا ، إن تلك اللَّحظة لا يمكن أن أنساها . إن تلك اللحظة التي لم تستطع فيها يا أبا أحمد [4] أن تودّعني ، أو أن ألقي نظرة أخيرة عليك ، إن تلك اللحظة تمزّقني أنا تمزّقا وتمزيقا . ولئن كنت أعيش مأساة فراقكم أيّها الأحبّة ، فأنا - في الوقت نفسه - أشعر من خلال هذه المأساة بانتصاركم ، لأنكم أثبتّم من خلالها كلّ ما يودّ الأب أن يراه في أبنائه من ثبات ونبل وشهامة وإخلاص ووفاء ، وهذا أقصى ما يسعد الأب ، وما يشعره بامتداده في أبنائه ، فأنتم معي على الرغم من الزّمان ، وعلى الرغم من المكان ، ولتكن هذه المعيّة في اللَّه ، ومن أجل اللَّه ، تعبيرا حيّا عن لقائنا باستمرار ، إلى أن يجتمع الشمل ، وتعود الأغصان إلى الشجرة الأمّ . إن مقوّمات الصّمود والثبات والاستمرار في الحياة هي الحبّ والأمل
[1] كان هذا المضمون مكتوبا في رسالة منه ( رحمه اللَّه ) إليّ . [2] المقصود هو الشيخ سعيد النعماني وهو أحد مخلصيه الأعزّاء ، وهو يعيش اليوم في طهران . [3] هو الشيخ عباس الأخلاقي ، أحد طلَّابه البررة ، وهو اليوم يعيش في قم المقدسة . [4] هو السيد عبد الهادي الشاهرودي ، أحد طلابه المخلصين وهو يعيش اليوم كأمام جمعة في ( علي عليآباد كتول ) .