البرهان الثالث - ما ذكره بعض الكلاميين ، وهو مبتن على مقدمة فرضت مفروغا عنها ، وهي : أنّ ما يعرض على الشيء حقيقة وواقعا - لا جعلا واعتبارا - يجب أن يكون ذاتيّا لكل ما يعرض عليها أو لبعضها ، إذ كل ما بالعرض يجب أن ينتهي إلى ما بالذات . ونحن لا نتكلم هنا عن مدى صحّة هذه المقدّمة وعدمها ، لاستلزامه الخروج عمّا يقتضيه المقام ، ونبحث الأمر بناء على صحّة هذه المقدّمة فنقول : إنّ البرهان الذي ذكر في المقام على عدم واقعيّة الحسن والقبح ، هو أنّهما لو كانا واقعيّين لكانا ذاتيّين ، مع أنّهما ليسا ذاتيّين ، لما نرى من اختلافهما بالوجوه والاعتبارات . وأجيب على ذلك بأنّ الحسن ذاتيّ للعدل ، والقبح ذاتيّ للظلم ، ولا يختلف العدل والظلم في الحسن والقبح باختلاف الوجوه والاعتبارات . وأمّا ما نراه من كون الصدق مثلا تارة حسنا وأخرى قبيحا ، أو ضرب اليتيم كذلك ، وما إلى ذلك من الأمور ، فهذا ينشأ من اختلاف الحالات في الدخول تحت هذه الكبرى أو تلك . فمتى ما كان الصدق أو ضرب اليتيم أو غير ذلك عدلا كان حسنا ، ومتى ما كان ظلما كان قبيحا . فصحّ هنا أيضا أنّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات . ويرد عليه : ما سيأتي إنشاء اللَّه في الأمر الثّالث ، من أن قولنا : العدل حسن والظلم قبيح ، ليس إلَّا قضيّة بشرط المحمول . والصحيح في الجواب ، أوّلا : ما سيأتي إنشاء اللَّه في الأمر الثّالث من أنّ الحسن والقبح لا يختلفان باختلاف الوجوه والاعتبارات . فالصدق