دليلا على بطلان العقل العمليّ . وأمّا ما عدا ذلك من الوجوه المذكورة في كلماتهم ، فلا ينبغي الشكّ في أنّها لا تفيد أكثر من عدم ضمان حقّانيّة العقل العمليّ . والتحقيق أنّ هذا الوجه أيضا لا يفيد إنكار صحّة العقل العمليّ ، فإنّ العقل العمليّ لا يحكم إلَّا بقضيّة شرطيّة وهي أنّ الفعل إن كان اختياريّا اتصف بالحسن والقبح . وإنكار الشرط لا يؤدّي بنا إلى إنكار القضيّة الشرطيّة ، بل ظاهر سوق الدليل بهذا الشكل هو التسليم بحسن الأفعال وقبحها على تقدير اختياريّتها . نعم يمكن أن يتخيّل أنّ العقل العمليّ يحكم ابتداء بحسن بعض أفعال النّاس وقبح بعضها ، فيجعل ما مضى من البرهان الأشعريّ برهانا على بطلان العقل العمليّ . ولكن لدى التحليل يظهر أنّ حكم العقل بالبداهة بحسن بعض أفعال النّاس وقبح بعضها مرجعه إلى حكم العقل النظريّ بصغرى بديهيّة ، وهي الاختيار ، وحكم العقل العمليّ بكبرى بديهيّة ، وهي اتصاف الفعل الاختياريّ بالحسن والقبح ، فتنتقل النفس - التي هي مركز واحد لكلا الإدراكين - إلى النتيجة بكمال الوضوح ، إذ كانت المقدمتان مع التطبيق بديهيّة ، فصارت النتيجة في قوّة البديهيّ . البرهان الثّاني : برهان فلسفيّ ، وأقصد بذلك برهانا قد نصوغه وفق مباني الفلاسفة ، وإن كانوا هم لم يذكروا هذا البرهان ، وهو : أنّ الحسن والقبح لو كانا واقعيّين ، فإمّا أن يكونا انتزاعيّين ، أو من الأعراض المتأصّلة في المحل . وبتعبير آخر إمّا أن يكونا من المعقول الثانويّ بحسب المصطلح الفلاسفة ، أو من المعقول الثّانويّ بحسب مصطلح المنطق . وتوضيح هذه الاصطلاحات : أنّ الشيء تارة يتصور بعناوينه الذاتيّة من الجنس والفصل والنّوع ، وهذه معقولات أوّليّة . وأخرى