هذا تمام الكلام في وجوب الموافقة الالتزاميّة ومدى تأثيره على جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي بغض النظر عن ابتلاء هذا الوجوب بمزاحم له وهو حرمة التشريع ( والمقصود من التّشريع إسناد ما لم يعلم أنه من الشارع إليه ) . والآن نريد ان نتكلم حول النّسبة بين وجوب الالتزام وحرمة التشريع . فنقول : لو اخترنا من الوجوه السابقة ما يتطلب وجوب الالتزام بالجامع اذن لا يوجد أي تصادم بينه وبين حرمة التشريع ، أما لو اخترنا منها ما يتطلب وجوب الالتزام بالفرد المعلوم بالإجمال بحدّه الفردي ، فحينئذ : تارة يفترض ان وجوب الالتزام وحرمة التشريع حكمان عقليان ، وأخرى يفترض أنهما حكمان شرعيان ، وثالثة يفترض ان وجوب الالتزام عقلي وحرمة التشريع شرعية ، ورابعة يفترض العكس . ففي الفرض الأوّل - لا بد من مراجعة العقل الذي هو الحاكم في تنظيم العلاقات بين العبد والمولى ، كي يرى ما ذا يحكم في مثل ما نحن فيه ، من وجوب ، أو تحريم ، أو لا يحكم بشيء منهما . وفي الفرض الثاني - لا بد من مراجعة الدليلين الشرعيين المفترضين ، كي يرى هل هناك مرجح لدليل حرمة التشريع وبالتالي يلغو وجوب الالتزام في ما نحن فيه نهائيا ، أو هناك مرجح لدليل وجوب الالتزام وبالتالي تلغو حرمة التشريع في الفرد المعلوم بالإجمال ولكن تبقى الحرمة في الفرد الآخر ويصبح المورد من موارد العلم الإجمالي بواجب وحرام مع الاشتباه فيما بينهما . أو أنّه لا مرجح لأحدهما على الآخر ، فيتساقطان في الفرد المعلوم بالإجمال ، وتبقى حرمة التشريع في الفرد الآخر ، ويصبح المورد من موارد العلم الإجمالي بالحرام .