فالعمدة هي السيرة الممضاة ولو بالسكوت وعدم الردع ، ومن المعلوم أنّ المستفاد من إمضاء الشارع لسيرة العقلاء إنّما هو جعله لمثل ما جعلوا . الثالثة : أنّ العقلاء بما هم عقلاء ليسوا مشرّعين وجاعلين للأحكام التكليفيّة ، وليس من شأنهم البعث والزجر ، وإنّما المعهود منهم هو جعل أحكام وضعيّة كالملكيّة والقضاء والولاية ونحو ذلك . وبضمّ هذه المقدّمات بعضها مع بعض يظهر أنّ المتعيّن فيما نحن فيه بحسب مقام الإثبات هو جعل الطريقيّة ، وذلك لأنّ المجعول فيما نحن فيه للعقلاء هو الوضعيّ بحكم المقدّمة الثالثة ، والحكم الوضعي منحصر هنا في جعل الطريقيّة بحكم المقدّمة الأولى ، فتحصّل أنّ المجعول للعقلاء هو الطريقيّة فيكون المجعول للشارع أيضا الطريقيّة كما ذكر في المقدّمة الثانية من مماثلة جعله لجعلهم . هذا أحسن ما يمكن أن يقال في توضيح مرام المحقّق النّائيني ( قدّس سرّه ) . أقول : إنّ المقدّمة الأولى مضى تحقيقها في البحث الأوّل ، كما أنّ الاستدلال على حجّيّة خبر الواحد بالسيرة يكون تحقيقه موكولا إلى بحث حجّيّة خبر الواحد . وهنا نبني نحن على فرض صحّة جميع المقدّمات الثلاث من : أنّ جعل الحجّيّة لا يعقل إلَّا بأحد الوجهين ، وأنّ السيرة العقلائيّة دليل على حجّيّة خبر الواحد ، وأنّ ما عداها إن تم فهو مسوق لإمضاء طريقة العقلاء ، وأنّ العقلاء بما هم عقلاء ليس من شأنهم البعث والزجر وجعل الحكم التكليفي . ومع ذلك نناقش في ما استدلّ به ( رحمه اللَّه ) على جعل الطريقيّة في الأمارات . وتوضيح ذلك : أنّ الاستدلال بالسيرة العقلائيّة على حجّيّة خبر الواحد يتصور بأحد وجهين : الأوّل : التمسك بسيرة العقلاء بما هم عقلاء على العمل بخبر الواحد في مقام استيفاء أغراضهم الشخصيّة ، أمّا كيف يتم الاستدلال