وأمّا المقام الثّاني : فمن المستحسن بيانه ضمن البحث عن عنوان « عمليّة الإفتاء للعامي » وأنّ المجتهد كيف يصحّ له إفتاء العاميّ وبيان حكمه له ؟ ولا بأس بأن نلحق بذلك - في خاتمة البحث - الكلام حول حكم المجتهد غير الأعلم : هل يجوز له العمل بفتواه ، أو يجب عليه الرّجوع إلى الأعلم كما يجب على غير المجتهد الرّجوع إلى المجتهد ؟ وبهذا يكتمل بحث فنّي مهمّ قد أهمله الأصحاب ، فإنّهم لم ينقّحوا في مورد من الموارد عمليّة الإفتاء للعامي ، ولا مسألة رجوع غير الأعلم إلى الأعلم وعدم رجوعه إليه : 1 - تفسير عمليّة الإفتاء : وليس المقصود من هذا البحث البرهنة على جواز التقليد ، بل المقصود - بعد تسليم جواز التّقليد بأدلَّته المذكورة في محلَّها - إيضاح الطريقة التي يتمّ بها تعقّل إفتاء المجتهد للعامي وتقليد العاميّ له . فنقول : إنّ المرتكز في الأذهان هو أن الإفتاء عبارة عن عمليّة بيان ما عرفه من هو من أهل الخبرة لمن ليس من أهل الخبرة ، كما هو الحال في جميع موارد رجوع الجاهل إلى العالم . وتصوير ذلك واضح بالنسبة للأحكام الواقعيّة التي عرفها المجتهد بالقطع واليقين ، لأنّ الحكم الواقعيّ ثابت بشأن الجميع سواء في ذلك المجتهد والعاميّ ، وإنّما الفرق بينهما أنّ المجتهد ذو خبرة وبصيرة يتمكَّن بها من درك الحكم ، بخلاف العاميّ ، فرجوعه إليه كرجوع النّاس في شتّى الفنون والعلوم من الطبّ والهندسة وغير هما إلى أهل الخبرة . ولكن يقع الإشكال فيما إذا لم يكشف المجتهد الحكم الواقعي بمستوى القطع واليقين ، فاضطرّ إلى التنزّل إلى الحكم الظاهري الثّابت بأصل أو أمارة ، فسوف تواجه عمليّة الإفتاء في الغالب مشكلة اختصاص الحكم الظَّاهري بالمجتهد ليس من جهة أخذ عنوان الاجتهاد في موضوعه بل لأنّه