بنت الهدى تهزم الجموع : خلال مسيرنا في الزّقاق المؤدّي إلى شارع الإمام زين العابدين ، سبقتنا الشهيدة بنت الهدى ، لتأخذ مكانها هناك استعدادا لإلقاء خطبتها التي هزمت فيها الجموع التي تحشّدت لاعتقال السيد الشهيد . وقفت كأنها زينب لم تأبه بالمجرمين الذين تتقطَّر وجوههم شرّا وحقدا ووحشيّة ، لم ترهبها رشّاشات الكلاشنكوف ، وبدأت خطبتها التّاريخية - التي تعتبر وثيقة مهمّة من وثائق الثّورة الإسلامية في العراق - قالت ( رضوان اللَّه عليها ) : انظروا . . . أخي وحده ، بلا سلاح ، بلا مدافع ورشاشات أما أنتم بالمئات . . . انظروا - وأشارت إلى الجموع هنا وهناك - بالمئات ، فهل سألتم أنفسكم : لم هذا العدد الكبير ولم كل هذه الأسلحة ؟ لأنكم تخافون . . . إي واللَّه تخافون لأنّكم تعلمون أنّ أخي ليس وحده ، بل معه كل العراقيين . إنكم تخافون ، وو اللَّه لولا ذلك لما جئتم لاعتقال أخي في هذه الساعة المبكرة من هذا الصباح . . . لما ذا لا تجيئون إلَّا والنّاس نيام ؟ لما ذا تختارون هذا الوقت ؟ هل سألتم أنفسكم ؟ هل هذا إلَّا دليل على ما أقول . وما أن أتمت الشهيدة خطبتها حتى تفرّق الحشد الأثيم ، واختفى في الأزقّة وبقيت سيارات الأمن ومن فيها في سكون وثبات ، لم يتحرك أحد حين خطبت الشهيدة وكأن على رؤسهم الطير . ثم توجهت بخطابها إلى شهيدنا العظيم ، وقالت : اذهب يا أخي ، اللَّه معك ، فهذا هو طريقنا ، وهذا هو طريق أجدادك الطاهرين . استمر خطاب الشهيدة الخالدة أكثر من خمس عشرة دقيقة ، فلم يجرؤ أحد من الجلاوزة على منعها ، فقد كان صوتها الزينبيّ وكلماتها الثائرة أقوى من