من التّناقض بين حكمهم بثبوت المفهوم وبين حكمهم بعدم تكرر والحكم عند تكرر الشّرط إذ لو كان الشّرط علة تامة لوجب تكرر المشروط بتكرره واستدل لمنع ثبوت المفهوم بأنّ للجملة الشّرطيّة استعمالات ثلاث أحدها أن تستعمل في سببيّة الأوّل للثاني نحو إن كانت الشّمس طالعة فالنّهار موجود وهذا يفيد المفهوم والثّاني أن تستعمل في تلازمهما مع قصد الاستدلال بانتفاء التّالي على انتفاء المقدم نحو لو كان فيهما آلهة إلَّا اللَّه لفسدتا والثّالث أن تستعمل في تلازمهما من دون القصد المذكور نحو إن كان هذا إنسانا كان حيوانا ومع ثبوت هذه الاستعمالات يجب الحكم بوضعها للقدر المشترك وهو مطلق التّلازم حذرا من الاشتراك والمجاز وحينئذ فلا دلالة لها على المفهوم وفيه نظر أمّا أوّلا فلما عرفت من تبادر التّعليق من الجملة الشّرطيّة وهو علامة الحقيقة كما عرفت تقريره وأمّا ثانيا فلأنّ المعنى الثّاني والثّالث معنى واحد فإنّ لازم التّلازم هو إمكان الاستدلال بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم ومن وجود الملزوم على وجود اللازم وفعليّة القصد المذكور وعدمه لا يوجب اختلاف المستعمل فيه وحينئذ فالمستعمل فيه معنيان السّببيّة والتّلازم ولا ريب أنّ السّببيّة ليست مقصودة بنفسها في الاستعمال الأوّل بل المراد فيه هو التّعليق ويستفاد منه السّببيّة وبالجملة فالمستعمل فيه أمّا التّعليق أو التّلازم وليس بينهما قدر مشترك يكون هو الموضوع له كما ذكره والقول بأنّ القدر المشترك هو مطلق التّلازم غير مفهوم إذ ليس مطلق التّلازم إلَّا عبارة عن المعنى الثّالث الذي جعله مقابل الأوّلين فكيف يكون مشتركا بين نفسه وقسيميه ويمكن دفع هذا بأنّ مراده من القدر المشترك هو المعنى الثّالث فيكون حاصله أنّ لها استعمالات ثلاث السّببيّة والتّلازم الخاص والقدر المشترك بينهما وهو مطلق التّلازم وحينئذ فيرد عليه ما سبق خاصة وأمّا ثالثا فلأنّ حكمه بثبوت المفهوم للقسم الأوّل لا وجه له لاحتمال وجود سبب آخر إذ لم يدع الانحصار بل لو ادعاه لكان فاسدا إذ لا يستعمل الجملة في السّببيّة المنحصرة بقيد الانحصار قطعا فالقول بتحقق المفهوم لا يتم إلَّا على فرض استعمالها في التّعليق إذ لولاه لكان المراد إمّا السّببيّة وقد عرفت عدم استلزامه للمفهوم أو الشّرطيّة الأصوليّة وهو فاسد لاستلزامه كون المفهوم منطوقا إذ يكون معنى إن جاء زيد فأكرمه أنّ الشّرط الأصولي في وجوب الإكرام هو المجيء ومعنى الشّرط الأصولي هو ما يستلزم انتفاؤه انتفاء المشروط وأمّا التّلازم وعليه فعدم ثبوت المفهوم ظاهر فالأولى في الإيراد أن يقال إنّ الجملة الشّرطيّة لا ينحصر استعمالها في التّعليق بل كثيرا ما تستعمل في التّلازم كما في كلام المنطقيّين بل لا يوجد استعمالها في التّعليق في كلامهم حيث حكموا بأنّ انتفاء التّالي موجب لانتفاء المقدم دون العكس وهذا ينافي التّعليق والجواب أنّ كلام المنطقيّين ليس في دلالة الجملة الشّرطيّة وإنّما شأنهم بيان طرق الاستدلال ومن جملة الطَّرق هو التّلازم ولا ريب أنّ اللازم يجوز كونه أعمّ من الملزوم فانتفاؤه يدل على انتفاء الملزوم كليّا من دون العكس ومن شأن قواعد الميزان أن تكون مطردة ولذا يحكمون بأنّ رفع التّالي يدل على رفع المقدم دون العكس أي كليّا وليس كلامهم في دلالة الجملة الشّرطيّة فهو لا ينافي ما ذكرنا من تبادر التّعليق منها عرفا مع قطع النظر