عدالة الله تعالى وأما عدله تعالى : فانا نشهد أنه العدل الذي لا يجوز والحكيم الذي لا يظلم ، وانه لا يكلف عباده مالا يطيقون ولا يتعبدهم بما ليس لهم إليه سبيل ، ولا يكلف نفسا الا وسعها ، ولا يعذب أحدا على ما ليس من فعله ، ولا يلومه على ما خلقه فيه . وهو المنزه عن القبائح والمبرأ من الفواحش ، والمتعالي عن فعل الظلم والعدوان ، ولا يريد ظلما للعباد ، ولا يظلم مثقال ذرة . وأما من يخالفنا - وهم الأشاعرة - فقالوا : ان من الله جور الجائرين وفساد المعتدين ، وانه صرف أكثر خلقه عن الايمان والخير وأوقعهم في الكفر والشرك ، وان من أنفذ وفعل ما شاء عذبه ومن رد قضاءه وأنكر قدره وخالف مشيئة أثابه ونعمه ، وأنه خلق أكثر خلقه للنار ولم يمكنهم من طاعته ثم أمر هم بها وهو عالم بأنهم لا يقدرون عليها ولا يجدون السبيل إليها ، ثم استبطأهم لم لم يفعلوا ما لم يقدروا عليه لم لم يوجدوا ما لم يمكنهم منه ، وان الحسن ما فعله ولو كان ذلك عقاب أشرف الأنبياء ، والقبيح ما تركه ولو كان ذلك ثواب أشقى الأشقياء . واستدلوا لما قالوا بأنه ليس للعقل التحكم على الله تعالى ، بل هو ساقط في هذا المقام . ولكنك بعد ما عرفت من ثبوت الحسن والقبح العقليين فثبوت عدالته تعالى لا يحتاج إلى مزيد بيان ، إذ العقل يدرك حسن العدل وان تركه للقادر عليه قبيح . وان فعل القبيح ينافر الحكمة والكمال فلا يكاد يصدر منه تعالى . وبالجملة العقل يدرك أنه سبحانه لكماله وحكمته وقدرته وغناه صدور القبيح منه بحال ، ولا يفعل القبيح . لأنه لو فعل القبيح والظلم لكان اما جاهلا بالقبيح ، أو عالما به عاجزا عن تركه ، أو محتاجا إلى فعله ، أو قادرا غير محتاج بل يفعله عبثا . وعلى الأول يلزم كونه جاهلا ، وعلى الثاني كونه عاجزا ، وعلى الثالث كونه محتاجا ، وعلى الرابع