الاعراض . الثاني : وهو يختص بانكارهما بالإضافة أفعاله تعالى ، وهو أنه لو سلم الحسن والقبح العقليان في أفعال العباد أنا لا نسلمهما في أفعاله تعالى . ضرورة أنه ليس للعقل التحكم على الله تعالى ، فيقول : هذا الفعل منه قبيح فيجب تركه ، أو حسن فيجب فعله . كيف وهو الفعال لما يشاء ، وكل ما يفعل يكون تصرفا في ملكه ، لا يسأل عما يفعل . وفيه : ان هذا اشتباه نشأ من التعبير بأن العقل يحكم بالحسن والقبح ، وقد حققنا في محله أن شأن القوة العاقلة حتى بالنسبة إلى أفعال العباد ليس هو التشريع وجعل الاحكام ، بل هذا المقام من مختصات الله تعالى وسفرائه ، بل شأنها الدرك ، فالقوة العاقلة دراكة لا مشرعة . وعليه فنقول في المقام : ان الحسن والقبح لا يكونان يتحكم من العقل ، بل هما صفتان واقعيتان يدركهما العقل . توضيح ذلك : أنه كما يكونن لكل واحدة من الحواس الخمس ملائمات ومنافرات - مثلا : السمع تلذه الأصوات الحسنة وتزعجه الأصوات القبيحة - كذلك تكون للعقل الذي به انسانية الانسان والا فهو كغيره من الحيوانات ملائمات ومنافرات . ضرورة أن القوة العاقلة قوة دراكة ، فإذا لاحظت الافعال فقد تراها ملائمة لها وترى استحقاق فاعلها للمدح كالعدل فيقال انها حسنة ، وقد تراها منافرة لها ترى استحقاق فاعلها للذم كالظلم فيقال انها قبيحة ، وقد تراها خالية عن الجهتين فتخلف بالوجوه والاعتبارات . وان شئت توضيح ذلك بالمثال العرفي : فانظر إلى رجل قد أحسن إليك غاية الاحسان ثم احتاج إليك بأهون شئ ، فلا شبهة في أن العقل مع قطع النظر عن الشرع يدرك حسن قضاء حاجته وقبح مقابلته بالرد والهوان ، مع أن قضاء حاجته لا يلائم الشهوات ورده لا ينافرها ، فليس ذلك الا لان للعقل ملائمات ومنافرات مع قطع النظر عن كل شئ . وبالجملة بما أن للعقل نورانية تنكشف لها الحقائق على ما هي عليه ، يحكم ( أي يدرك ) بقبح بعض الأفعال وحسن بعضها ، فانكار الحسن والقبح العقليين مكابرة .