مع أنه يترتب على القول بالجبر عدة توال فاسدة ، قد أشرنا إليها سابقا ، وهي : انكار التحسين والتقبيح العقليين ، وسلب العدالة عن الله تعالى ، وان التكليف بما لا يطاق لا محذور فيه . وكل واحد من هذه التوالي كاف في الرد على الجبرية . التحسين والتقبيح العقليان ولا بأس بالإشارة الاجمالية إلى وجه فساد كل واحد منها وان كان واضحا غير محتاج إلى بيان ، فأقول : أما الحسن والقبح العقليان فذهبت الأشاعرة - خلاقا للمعتزلة والامامية - إلى انكار الحسن والقبح العقلين ، وأنه مع قطع النظر عن كون الافعال ملائمة للطبع أو منافرة له تكون الافعال متساوية لا تفاوت بينها في الحسن والقبح ، سوى أن أفعال العباد قد تتصف بالحسن والقبح بعد تعلق الأحكام الشرعية بها باعتبار موافقتها للشرع ومخالفتها ، بخلاف أفعاله تعالى فإنها لا تتصف بهما من هذه الجهة أيضا ، ولا مجال للعقل أن يحكم فيها بتحسين أو تقبيح . وقد استندوا في ذلك إلى أمرين : الأول : ان الفعل عرض والحسن والقبح العقليان من قسم العرض أيضا ، والعرض لا يعرض عليه عرض ولا يتصف به ، فالفعل لا يمكن اتصافه بالحسن والقبح العقليين . وفيه : أولا النقض ، بأن الألوان كالبياض والحمرة والسواد أعراض ، والشدة والضعف والحسن والقبح أيضا من الاعراض ، وغير خفى أن الشدة والضعف والحسن والقبح تعرض على الألوان وتتصف الألوان بها ، هذا اللون شديد وذاك ضعيف ، هذا حسن وذلك قبيح ، فكيف جاز هنا اتصاف العرض بالعرض . وثانيا بالحل ، وهو أنه فرق بين العرض الوجودي والعرض الانتزاعي ، والذين وقع محل الكلام في عروضه على العرض انما هو القسم الأول كالألوان ، وأما القسم الثاني كالحسن والقبح والشدة والضعف فليس لأحد دعوى عدم عروضها على