وأما الرابعة والخامسة وما بمضمونهما من الآيات فغاية ما تدل عليه أنه حيث يحتمل من يريد أن يعمل عملا أن يحدث ما يمنع عنه ، فعليه أن يتوجه إلى الله تعالى ويسأله أن تكون الحوادث بنحو لا تمنعه عما يريد . وأما السادسة وما بمضمونها فملخص القول فيها ان المراد بالنفع والضرر ان كان هو الطبيعي منهما فعدم ارتباطها بالمقام ظاهر ، وان كان ما ينشأ عن عدم العمل بالوظائف فكونه منوطا بمشيئة الله تعالى انما هو من جهة كون جعل الوظيفة وبيانها على الله تعالى . وبما ذكرناه في الآيات السابقة يظهر ما في السابعة والثامنة . الاستدلال للجبر بعلم الله تعالى ثالثها ان الثابت في محله أن علمه تعالى متعلق بجميع الموجودات ولم يخرج شئ عن تحت علمه ، ومنها أفعالنا ، فكل ما يصدر منا متعلق لعلمه فيجب وجوده وإلا لزم كون عمله تعالى جهلا . وان شئت قلت : انه لتعلق علمه بالفعل لابد وأن يوجد الفعل جبرا ، أو يتبدل علمه بالجهل ، وحيث أن الثاني محال فيتعين الأول . ويتضح الجواب عن ذلك ببيان أمور : الأول ان علمه تعالى لا يكون متعلقا بأفعالنا فقط ، بل هو متعلق بها وبمقدماتها ، وإلا لزم كون علمه محدودا واتصافه بمقابل العلم وهذا ينافي كون العلم من الصفات الذاتية . وحيث إن من مقدمات الفعل الاختياري الاختيار والإرادة ، فيكون عالما بصدور الفعل عن الاختيار . ولو التزاما بالجبر ولزوم صدور الفعل لزم انقلاب علمه جهلا ، إذ المعلوم كون الفعل صادرا عن الاختيار ، والواقع صدوره جبرا . الثاني أن علمه تعالى ليس علة للفعل ، كما أن علمنا بأنا سنفعل كذا لا يكون هذا العلم علة لذلك الفعل ، فان حقيقة العلم هو انكشاف الواقع على ما هو عليه ولا ربط لذلك بصدور ذلك الفعل ليكون علة له . وأيضا فلو كان علمه علة لم يكن هناك حاجة إلى الإرادة ، وقد قال الله تعالى