وأما الآية الثانية وما بمضمونها نظير قوله تعالى " والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم " 1 ، وقوله سبحانه " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء " 2 ، وقوله " انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء " 3 إلى غير ذلك من الآيات ، فهي تدل على أن الهداية الخاصة وكذا ما يقابلها مختصة بطائفة خاصة . توضيحه : ان الهداية هي الارشاد والدلالة ، والهدى ضد الضلال ، والهداية من الله تعالى على قسمين عامة وخاصة ، والأولى قد تكون تكوينية وقد تكون تشريعية . والهداية العامة التكوينية ما أعدها الله تعالى في طبيعة كل موجود ، فهي تسرى بطبعها أو باختيارها نحو كمالها ، الفارة تفر من الهرة ولا تفر من الشاة ، والنمل يهتدى إلى تشكيل جمعية وحكومة ، والطفل يهتدى إلى ثدي أمه . وهكذا ، قال " ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " 4 . والهداية التشريعية العامة هي إفاضة العقل على الانسان العقل على الانسان ثم ارسال الرسل وانزال الكتب . وأما الهداية الخاصة فهي عناية ربانية خص الله بها بعض عباده حسب ما تقتضيه حكمته ، فيهئ له ما به يهتدى إلى كماله ويصل إلى المقصودة ، ولولا تسديده لوقع في الغى والضلالة ، ومع ذلك لا يكون مجبورا في ذلك . وفي أمثال هذه الآية أشير نكته لطيفة ، وهي الرد على القائلين باله الخير واله الشر ، أي المجوس الملتزمين بأن وسائل الشر انما تكون متحققة بايجاد اله الشر وان الله تعالى لا يهئ تلك الوسائل ، وتدل على أن الأسباب كلها من الله تعالى . وأما الآية الثالثة وما بمضمونها فإنما تدل على أن جميع الأفعال واقعة تحت المحاسبة ، سواء أكانت ظاهرة أم لا ، غاية الامر الله تعالى أن يغفر لمن يشاء .
1 - سورة البقرة : 212 . 2 - سورة الأنعام : 144 . 3 - سورة العنكبوت : 69 . 4 - سورة طه : 50 .