يستحيل ان ينقدح في نفس العاقل الملتفت . وحيث إن الاعتبار الذي يكشف عنه الخطاب الشرعي هو الاعتبار بهذا الداعي ، كما يقتضيه الظهور التصديقي السياقي للخطاب ، فلا بد من اختصاصه بحال القدرة ، ويستحيل تعلقه بغير المقدور . ومن هنا كان كل تكليف مشروطا بالقدرة على متعلقه بدون فرق بين التكاليف الالزامية وغيرها . وكما يشترط في التكليف الطلبي ( الوجوب والاستحباب ) القدرة على الفعل ، كذلك يشترط الشئ نفس في التكليف الزجري ( الحرمة والكراهة ) لان الزجر عما لا يقدر المكلف على ايجاده ، أو عن الامتناع عنه ، غير معقول أيضا . وهكذا نعرف ، ان القدرة شرط ضروري في التكليف ، ولكنها ليست شرطا ضروريا في الملاك والمبادئ . ولكن هذا لا يعني انها لا تكون شرطا ، فإن مبادئ الحكم يمكن ان تكون ثابتة وفعلية في حال القدرة والعجز على السواء ، ويمكن ان تكون مختصة بحالة القدرة ، ويكون انتفاء التكليف عن العاجز لعدم المقتضى وعدم الملاك رأسا . وفي كل حال من هذا القبيل يقال : إن دخل القدرة في التكليف شرعي . وقد تسمى القدرة حينئذ بالقدرة الشرعية بهذا الاعتبار تمييزا لذلك عن حالات عدم دخل القدرة في الملاك ، إذ يقال عندئذ : ان دخل القدرة في التكليف عقلي ، وقد تسمى القدرة حينئذ بالقدرة العقلية . ولا فرق في استحالة التكليف بغير المقدور ، بين أن يكون التكليف مطلقا من قبيل أن يقول الآمر لمأموره ( طر في السماء ) ، أو مقيدا بقيد يرتبط بإرادة المكلف واختياره من قبيل أن يقول ( إن صعدت إلى السطح فطر إلى السماء ) ، فان التكليف في كلتا الحالتين مستحيل .