حقيقة في نظر العرف ، وإن كان مجازاً بتأمل من العقل ، كالسطح الذي هو واسطة في نسبة البياض إلى الجسم ، فإنّ البياض إنّما يقوم حقيقة بالسطح ، لا بالجسم ، لكنّه يُنسب إلى الجسم حقيقة بنظر العرف ، وإنْ كان مجازاً بالنظر الدقيق . وأمّا الواسطة في الثبوت : فهي علّة ثبوت العرض حقيقة لمعروضه ; سواء كان العرض قائماً بها أيضاً ، كالنار الشمس اللتين هما علّتان لثبوت الحرارة للماء ، أم لا كالحركة التي هي علّة لعروض الحرارة على الجسم . وأمّا الواسطة في الإثبات : فهي التي يكون العلم بها علّة للعلم بالثبوت كالحد الأوسط في القياس ( 1 ) . فخلاصة المقال في العرض الذاتي والعرض الغريب : هو أنّه نُسب إلى القدماء : أنّ العرض الذاتي : هو الخارج المحمول الذي يلحق الشيء لذاته ، أو لأمر يساويه ( 2 ) . ولكن عدل عنه المتأخّرون ، وقالوا : إنّ الحقّ في العرض الذاتي أن يقال : إنّه ما يكون عارضاً للشيء ووصفاً له بلا شائبة مجاز أو كذب ; أي ما يكون من قبيل الوصف بحال الشيء نفسه ، لا الوصف بحال متعلّقه ( 3 ) . وبعبارة أُخرى : العرض الذاتي : ما لا يكون له واسطة في العروض ; سواء كان له واسطة في الإثبات أم لا ، فالحرارة العارضة للماء - حيث تعرضه حقيقة - عرض ذاتيّ وإن كان بواسطة النار . وبعدما اشتهر بينهم : أنّ العرض الذاتي هو الخارج المحمول الذي يلحق الشيء لذاته أو لأمر يساويه ، أشكل عليهم الأمر ; حيث رأوا أنّ أكثر محمولات العلوم عارضة لنوع من الموضوع أو صنف منه ، فتكون هذه المحمولات عوارض غريبة