وبلفظة « هذا » يشير إلى زيد المشار إليه ، فلفظة « هذا » آلة لإيجاد الإشارة ، نظير إشارة الأخرس ، وبكلٍّ منهما يحضر المشار إليه في الذهن من دون أن يكون المشار داخلاً في معناهما أصلاً ، غاية الأمر يكون إحضار المشار إليه في الذهن بإشارة الأخرس بغير الوضع ، بخلاف إحضاره بلفظة « هذا » ، فإنّه بالوضع . وهكذا الأمر في ضمائر الغيبة ، فإنّها موضوعة للإشارة إلى الغائب ، ولذا يشترط فيها أن يكون مرجعها مذكوراً أو معهوداً ; لتصحّ الإشارة إليه ، ومرجع الضمير هو المشار إليه ، ونسبته إليه كنسبة المشار إليه إلى اسم الإشارة . وبالجملة : ألفاظ الإشارة وضمائر الغيبة موضوعة لنفس الإشارة وإيجادها : إمّا للحاضر ، كما في ألفاظ الإشارة - على اختلاف فيها من القريب والمتوسّط والبعيد - فإنّه بلفظة « ذا » تشير إلى المذكّر الحاضر القريب ، وب « ذاك » للمتوسّط منه ، وب « ذلك » للبعيد . . . وهكذا . أو للغائب ، كضمائر الغيبة ك « هو » ، فإنّه يشار بها إلى المذكّر الغائب ، وهكذا الأمر في « هما » ، و « هم » . وإحضار المشار إليه في ذهن السامع تبعيّ من دون أن يكون دخيلاً فيه . وبعبارة أوضح : هذه الألفاظ وضعت لنفس الإشارة ، ولازمها إحضار المشار إليه في ذهن السامع . ففرق بين قولنا : « زيد قائم » ، وبين قولنا : « هذا - أو - هو قائم » ، فإنّ « زيداً » يحكي عن المحكوم عليه حكاية اللّفظ عن معناه الموضوع له ، بخلاف لفظتي « هذا » و « هو » فإنّهما يُحضران المحكوم عليه في ذهن السامع ، نظير إحضار الإشارة بالإصبع إياه في ذهنه ; من دون أن تكون موضوعة له ، ومن غير أن تكون حكاية للّفظ عن معناه ، وإلى ما ذكرنا يشير ابن مالك في ألفيّته بقوله :