بالذات ، بل بالوضع ، ففي الحقيقة يكون للمادّة وصفان : أحدهما الهيئة العارضة عليها ، والثاني وصف كونها دالّة الحاصل بالوضع ، وهما في رتبة واحدة في العروض على المادّة ، فقوله ( قدس سره ) : إنّ الهيئة متأخّرة عن المادّة المتأخّرة عن معناها ، من اشتباه ما بالعرض بما بالذات ، وهو نوع من المغالطة ; لأنّ الهيئة إنّما تأخّرت عن ذات المادّة بجهة عروضها عليها ، لا بوصف دلالتها على المعنى بالوضع ، فتدبّر . هذا أوّلاً . وثانياً : أنّه لم نفهم المراد من قوله ( قدس سره ) : إنّ الدالّ متأخّر عن مدلوله ، هل مُراده أنّه متأخّر عنه ذاتاً ؟ فالضرورة قاضية بعدمه . وإن أراد أنّ المادّة بما أنّها دالة متأخّرة ، فنقول : إنّ المتضايفين متكافئان قوة وفعلاً حتّى في العلّيّة والمعلوليّة ; لأنّ المتقدّم هنا ذات العلّة ، وأمّا ذات العلّة بوصف علّيّتها ، فلا تقدّم لها على ذات المعلول بوصف المعلوليّة ، فإذاً لا تقدّم للمادّة - بما هي دالّة - على المدلول بما هو مدلول ، بل هما في رتبة واحدة . وثالثاً : أنّ المتخيَّل والمترائي في النظر بدواً هو أنّ الدالّ مقدّم على المدلول ; لأنّه باللّفظ الدالّ على المعنى ينتقل الذهن إلى المعنى والمدلول دون العكس ، ومجرّد كون وضع اللّفظ بعد وجود المعنى والماهيّة ، لا يوجب تقدّم المعنى والمدلول على اللّفظ الدالّ عليه ، ولا يرتبط ذلك بباب الدلالة التي هي محلّ البحث ، ولكن مع ذلك لا يوجب تقدّم ذلك عليه رتبة . وبالجملة : المترائي في باب الدلالة وإن كان تقدّم اللّفظ الدالّ على المعنى المدلول ; بلحاظ أنّ اللّفظ هو الذي يدلّ على المعنى ، وبإدراك اللّفظ يُدرَك المعنى ، دون العكس . ولكن مجرّد حضور المعنى بعد حضور اللّفظ لا يوجب التقدمِة ; لأنّ ذلك باب الانتقال ، ومجرّد انتقال الذهن إلى أمر لأجل توجّهه إلى شيء ، لا يوجب تقدّم رتبةِ ذلك الأمر على ذلك الشيء .