موجب لإيجاد معانيها ; من دون أن يكون لمعانيها : نحو تقرّر وثبوت في الخارج مع قطع النظر عن الاستعمال ، بل يوجد في موطن الاستعمال ; ضرورة أنّه لا يكاد توجد حقيقة المخاطبة والنداء بدون ذلك . وهذا - في الجملة - ممّا لا إشكال فيه . وإنّما الإشكال في أنّه هل جميع معاني الحروف كذلك أو لا ؟ ظاهر كلام المحقّق صاحب الحاشية ( قدس سره ) ( 1 ) هو اختصاص ذلك ببعض الحروف ، وكان منشأ توهّمه لذلك تخيُّل : أنّ مثل « من » و « إلى » و « على » و « في » وغير ذلك من الحروف تكون معانيها إخطاريّة ; حيث يكون استعمالها موجباً لإخطار ما وقع في الخارج من نسبة الابتداء والانتهاء - مثلاً - في قولك : « سرت من البصرة إلى الكوفة » ، وتكون لفظة « من » و « إلى » حاكية عمّا وقع في الخارج ، كحكاية لفظة « زيد » عن معناه . وبالجملة : منشأ توهُّم ذلك هو تخيّل : أنّ هذه الحروف إنّما تكون حاكية عن النسبة الخارجيّة المتحقّقة من قيام إحدى المقولات بموضوعاتها ، ولذا يتّصف بالصدق والكذب ; إذ لولا حكايتها عن النسبة الخارجيّة لما كانت تتّصف بذلك ، بل تتّصف بالوجود والعدم ، وما يتّصف بالصدق والكذب هي الحواكي . ولكن التحقيق أنّ جميع معاني الحروف إيجاديّة حتّى ما أفاد منها النسبة ; وذلك لأنّ شأن أداة النسبة إنّما هي إيجاد الربط بين جزئي الكلام ، فإنّ الألفاظ بما لها من المفاهيم متباينة بالهويّة والذات ; لوضوح مباينة لفظ « زيد » بما له من المعنى للّفظ « القائم » بما له من المعنى ، وكذا لفظ « السير » مباين للّفظ « الكوفة » و « البصرة » بما لهما من المعنى ، وأدوات النسبة إنّما وضعت لإيجاد الربط بين جزئي الكلام بما لهما من المفهوم ; على وجه يفيد المخاطب فائدة تامّة يصحّ السكوت عليها ، فكلمة « من »
1 - هداية المسترشدين : 23 سطر 8 و 32 سطر 38 و 34 سطر 11 .