قولنا : « سر من البصرة إلى الكوفة » ، وبعضها إيجاديّة ، مثل « يا » النداء و « واو » القسم وأداة التمنّي والترجّي والاستفهام والتشبيه والتنبيه ونحوها ، وبعضها علامة صِرفة لا تدلّ على معنىً أصلاً ، ك « كاف » الخطاب ، فإنّها لا تدل على معنىً ، وإنّما هي علامة لكون المخاطب مذكّراً . . . إلى غير ذلك . وذلك لأنّ باب دلالة الألفاظ من باب التبادر ونحوه ، وواضح أنّ المتبادر من قولنا : « سر من البصرة إلى الكوفة » هو الحكاية ، وواضح أنّه لا تكون حكاية واحدة ; بحيث لا تحكي « البصرة » عن شيء ، كما لا تحكي « الزاء » من لفظة « زيد » عن جزء منه ، بل هي حكايات ; لأنّه يحكي « السير » عن معنىً غير ما تحكيه « البصرة » ، وما تحكيه « البصرة » غير ما تحكيه « الكوفة » و « السير » . . . وهكذا . وواضح أنّ المحكيّ لم يكن مطلق السير ، بل السير الصادر من زيد المحدود بالبصرة والكوفة ابتداءً وانقطاعاً . فهذه الجملة تحكي عن أنّ سيري كان مبتدئاً من البصرة ، ومنتهياً بالكوفة ، والتجريد والتحليل يعطي : بأنّ الذي يدلّ على تلك النسبة والربط إنّما هما لفظتا « من » و « إلى » ، ولم يكن في الجملة ما يدلّ على النسبة غيرهما كما لا يخفى ، ولو لم يكن فرق بين الحرف والاسم في المعنى - كما ادّعى ( 1 ) - لصحّ استعمال كلّ منهما في موضع الآخر ، ويجوز استعمال الابتداء فيما يستعمل فيه لفظة « من » ، واستعمال الانتهاء فيما يستعمل فيه لفظة « إلى » وبالعكس ، والضرورة قاضية بعدم دلالة الابتداء والانتهاء على الإضافة