عين ما فهمته من زيد بعد التجريد ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأفراد ، فترى أنّ الجامع بين الأفراد هو طبيعة الإنسانيّة ، وهي الموجودة في الذهن ، والوحدة النوعيّة في صُقع الذهن لا تنافي الكثرة العدديّة في ظرف الخارج . فإذاً للماهيّة والطبيعة نشأتان : 1 - نشأة عقلية ذهنيّة هي نشأة الوحدة النوعيّة . 2 - نشأة خارجيّة هي نشأة الكثرة والتعدّد . وإجمال المقال : هو أنّ الشيخ الرئيس رحمه الله بعد أن رأى مقالة الحكيم الهمداني كتب رسالة في الردّ على مقالته ( 1 ) ، وقال : إنّ إنسانيّة زيد - مثلاً - غير إنسانيّة عمرو ، ولا معنى لوجود الجامع في الخارج ; لوضوح أنّ الوجود مساوق للتشخّص والجزئيّة ، فإذا كان الجامع بما هو جامع في الخارج ، يلزم أن يكون جميع الأفراد إنساناً واحداً ، وهو باطل . ومعنى كون طبيعة الإنسان كلّيّة أنّها غير مرهونة بالكلّيّة والجزئيّة ، فتصدق على أفرادها . فليس معنى قولهم : إنّ نسبة الطبيعي إلى أفراده نسبة الآباء إلى الأبناء ( 2 ) ، أنّه معنىً واحد في الخارج كذلك ، بل معناه أنّ الطبيعي الملحوظ في الذهن مجرّداً عن الخصوصيّات إذا وجد في الخارج يتكثّر بتكثّر الأفراد ويكون كلّ فرد منها مشتمل على تمام الطبيعة فيتحقّق في كلّ فرد الطبيعي بتمام ذاته . إذا تمهّد لك ما ذكرنا ، فنقول : إنّ هذا المحقّق وإن قال : بأنّ الحصص متكثّرة الوجود - وهي غير مقالة الرجل الهمداني - إلاّ أنّ التزامه بالجامع الموجود في الخارج بالوجود السِّعي ، يكون من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب ، وينطبق على ما قاله الهمداني ، القائل بوجود الطبيعي في الخارج بالوحدة العدديّة .
1 - رسائل ابن سينا : 462 . 2 - اُنظر الحكمة المتعالية 2 : 8 ، شرح المنظومة ( قسم الحكمة ) : 99 .