بحيث صار موردا لتعجب العقلاء والمتمدنين والفصحاء المتكلمين فلا شبهة أنه كتاب انزل لافهام المطالب الحقة لجميع الناس وإيصالهم إلى الكمالات اللائقة بحالهم ولم يشك فيه أحد من الناس إلا شرذمة قليلة من الذين أشرنا إليهم في صدر العنوان . وعمدة ما وجه أو يوجه به قولهم ونظرهم أمور خمسة : أحدها : كونه مشتملا على المضامين العالية التي لا تصل إليها إلا أفهام الأوحدي من الناس . وفيه : ( أولا ) أن الآيات الراجعة إلى الاحكام ليست كذلك ، فإن كل عربي يعرف أن قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) الآية [1] ما [2] أريد منها المضامين العالية المذكورة . وكذا قوله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف [3] . ( وثانيا ) إظهار المتكلم ما في ضميره بعبارة لا يفهمها إلا الأوحدي يدل على عجز المتكلم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . ( وثالثا ) أنه قياس مع الفارق ، فإن كلمات غير القرآن لم تصدر لهداية جميع الناس وإرشادهم ، بخلاف القرآن المجيد الذي نزله على قلبه ليكون من المنذرين وأوحى إليه لينذر به جميع الانس بل الجن أيضا . ثانيها : دعوى العلم بإرادة خلاف ظاهر جملة من ظواهره . وفيه - بعد تسليم وجوده وكونه في آيات الاحكام - : منع بقائه بعد مراجعة الأدلة ، فإنه لم يحصل إلا بعد ملاحظة ما في الاخبار فينحل بعد عدم الظفر على إرادة خلافه . ثالثها : الروايات في ذم من فسر القرآن برأيه .