كان منشأها انس الذهن بأحد المعاني المجازية ، لا كونه أكثر أفرادا ، وهو إنما يحصل بكثرة الاستعمال . وقد أجاب في الكفاية أيضا عن أصل الدليل بأن الاستعمال وإن كان قد وقع في تمام الافراد لكن الإرادة الجدية لم تكن إلا بالنسبة إلى الافراد الباقية . غاية الامر [1] أن فائدة هذا الاستعمال تظهر في الموارد المشكوكة حيث يجوز له الاحتجاج فيها . ويرد عليه أن الاحتجاج يصح إذا كانت الافراد مرادة بالدلالة التصديقية التي في المرتبة الثالثة من الأصول الثلاثة العقلائية ، فإذا انكشف بالقرينة أنه لم يرد تمام الافراد جدا فكيف يجوز الاحتجاج فيها ؟ والتحقيق أن يقال : إن استعمال اللفظ في المعنى على وجهين : ( أحدهما ) أنه يستعمل في الموضوع له ويراد ذلك المستعمل فيه . ( والثاني ) يستعمل في المعنى الموضوع له ويراد به معنى يناسب الموضوع له بعلاقة ، فاللفظ دائما يستعمل في الموضوع له ، غاية الامر تسمية هذا الاستعمال حقيقة موقوفة على إرادة هذا الموضوع له جدا ، وأما إذا جعل ذلك الموضوع آلة لملاحظة معنى آخر ومعبرا له يسمى مجازا . ولعل تسمية ذلك مجازا من هذا الوجه لان المجاز مشتق من ( جاز ) إذا عبر ، كأن المخاطب يعبر عن الموضوع له إلى غيره [2] . واعلم أن المخاطب في العموم والخصوص نظير الكلام في الحقيقة والمجاز ، فإذا
[1] قد أفاد الأستاذ مد ظله : إن هذا المعنى من قوله : ( غاية الامر . . . الخ ) غير موجود في الكفاية . أقول : كأنه توضيح لكلام الكفاية . [2] هكذا أفاده الأستاذ مد ظله : أقول : فيه أنه يلزم من ذلك أن يصير المعنى الحقيقي مجازا ، لأنه على هذا الوجه صار معبرا للمعنى الغير الموضوع له ، مضافا إلى أن أهل الأدبية يعرفون الحقيقة بأنها الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ولم يعتبروا كونه مرادا جديا ، والله العالم . والحاصل : أن صيرورة استعمال اللفظ حقيقة لا يحتاج إلى إرادة جدية .