فكما يمكن تعدد الطبيعة باعتبار تعدد الافراد في الأول كذا يمكن تعددها باعتباره في الثاني ، غاية الامر حصول الغرض في الأول موجب لسقوط الامر بخلاف الثاني ، فإنه نقض الغرض ، ونقض الغرض لا يوجب سقوط النهي ، بل ما هو المسقط ، حصوله وهو عدم إتيان الطبيعة . ثم لا يخفى أن لازم ما ذكرنا من معنى النهي - الذي هو عبارة عن الزجر عن الوجود - البعث إلى العدم عقلا . لا أقول : إنه أمر مستقل ببعث إلى الوجود كما قد يتوهم ، كما قد مر نظير التوهم المذكور من أن الامر بالشئ هل يقتضي النهي عن الترك أم لا ؟ وقد قلنا هناك : إن المراد من الاقتضاء هو أن لازم البعث إلى الوجود الزجر عن العدم وهو متحد معه بنحو من الاتحاد ، وهنا أيضا الزجر عن الوجود مستلزم للبعث إلى الوجود عقلا . بل أقول : حيث إن العقل يرى استحالة ارتفاع النقيضين ينتزع من الزجر عن الوجود ، البعث إلى نقيضه الذي هو العدم كما ينتزع من البعث إلى الوجود ، الزجر عن العدم دفعا لارتفاع النقيضين . ويكفي في دفع هذا التوهم - أعني عدم لزوم ارتفاع النقيضين - أن يحكم العقل ببعثه إلى الوجود المطلق من دون تقيد بقيد زائد . فاندفع توهم النزاع في أن متعلق الطلب في النهي هل نفس أن لا تفعل أو الكف ، لان القول بكون متعلق الطلب العدم مرهون بما ذكرنا من مخالفته لأحكام عقلائية ، وأما إذا كان متعلقه الزجر عن الوجود فهو لا يقتضي إلا البعث إلى نقيضه لما ذكرنا . وأما الكف فهو عبارة عن العدم المقيد بميل النفس إلى فعله ولا يقتضيه ، كما لا يخفى على المتأمل .