للعارض ، كما بين النسبة الحكميّة والحكم عند أهل المنطق ، ومع ذلك كيف ينكر عليهم وجود شئ في الخبر يكون مصداقاً للكلام النفسي ، المغاير للعلم المفسّر بالنسبة الذهنيّة ؟ وأمّا سند الثاني : فلأنّ مبنى كلامهم على جعل الكلام النفسي في الإنشاء عبارة عن الطلب ، وهو عندهم أمر يغاير الإرادة والكراهة ، وعلّلوه بأنّ الآمر كثيراً مّا يأمر ويطلب فعلا وهو غير مريد له بل كاره له ، كما في أمر السيّد عبده استعلاماً لحاله في مقام الإطاعة ، أو إعلاماً لمقام إطاعته للغير ، أو إظهاراً لعصيانه له حتّى يعتذر في معاقبته ونحو ذلك ، فتخلّف الإرادة عن الطلب آية مغايرتها له ، خلافاً للمعتزلة القائلة بعدم المغايرة بينهما ذاتاً بل كونهما متّحدين ، على معنى أنّ المنقدح في نفس الآمر ليس إلاّ صفة واحدة يعبّر عنها تارةً بالإرادة وأُخرى بالطلب . والّذي يساعد عليه النظر - على ما سيأتي تفصيله في بحث الأمر ، وفاقاً لبعض الأفاضل [1] - حقّيّة ما صار إليه الأشاعرة ، لكن لا لما ذكروه من التعليل المتقدّم فإنّه عليل جدّاً ، لوضوح أنّه إن أرادوا بالطلب الموجود في الموارد المذكورة ما يكون صوريّاً فالإرادة بهذا المعنى أيضاً موجودة معه ، وإن أرادوا بالإرادة المنتفية معه ما يكون واقعيّاً فالطلب بهذا المعنى أيضاً منتف . وبالجملة : ما يوجد في الأوامر الابتلائيّة طلب صوري لا حقيقي ، وهو يستلزم الإرادة الصوريّة ، بل لما سنحقّقه في محلّه مفصّلا ، وملخّصه : حصول الفرق بين الأمرين بعد الفرق بينهما بحسب المفهوم في الأحكام واللوازم ، وهو من وجوه شتّى : منها : كون الإرادة كالكراهة من الصفات القهريّة التابع حصولها لحصول منشأها ، وهو رجحان أحد طرفي الفعل والترك على الآخر ، وكون الطلب مبنيّاً على الاختيار على وجه كان للمريد إيجاده والإمساك عنه .
[1] هداية المسترشدين : 136 ( الطبعة الحجرية ) حيث قال في بحث الأمر : فظهر بما قرّرناه قوّة القول بمغايرة الطلب للإرادة بالمعنى المذكور . . .