نعم لو كان المراد من القطعيّات ما يستند القطع فيها إلى الأسباب الضروريّة كضروريّات الدين أو المذهب - في وجه تقدّم ذكره [1] - كان لالتزام خروجها وجه ، غير أنّ الإشكال بالقياس إلى القطعيّات النظريّة بحاله . وثالثاً : أنّ أخذ جنس الحدّ ظنّاً ممّا يفسد به الحدّ رأساً ، إذ لا ينبغي أن يراد به الظنّ بشرط عدم الحجّية لضرورة أنّ من لا حجّية في ظنّه لا يسمّى " فقيهاً " في الاصطلاح وإن بلغ في الفضل والعلم إلى ما بلغ ، ولا الظنّ لا بشرط الحجّية وعدمها لأنّه أيضاً في ضمن أحد فرديه خارج عن مسمّى الفقه ، فالواجب حينئذ إرادة الظنّ بشرط الحجّية ، وعليه فإمّا أن يراد بالحجّية ما يستلزم كون المظنون حكماً واقعيّاً فيراد " بالأحكام " الواقعيّة منها ، أو ما يستلزم كونه حكماً فعليّاً أعمّ من الواقعي وغيره فيراد " بالأحكام " الفعليّة منها ، فالفقه حينئذ إمّا عبارة عن الظنّ بأُمور المستلزم لكونها بأسرها أحكاماً واقعيّة ، أو عن الظنّ بها المستلزم لكونها بأسرها أحكاماً فعليّة ، وإن كان فيها ما يكون حكماً واقعيّاً أيضاً ، ولا سبيل إلى شئ منهما . أمّا الأوّل : فلوضوح ارتباطه بالتصويب الّذي من أصله فاسد ، مع قضائه بعدم سلامة الحدّ في جميع المذاهب وهو خلاف المقصود . وأمّا الثاني : فلأنّ الظنّ المستلزم لفعليّة الأحكام ، مأخوذ في وسط دليل الأحكام الفعليّة ، فلا يعقل أخذه من عوارض النتائج الّتي هي المسائل الفقهيّة ، والمقصود من جنس الحدّ ما يكون من عوارض المسائل هذا . ومع الغضّ عن جميع ما ذكر نقول : هذا تجوّز في الحدّ لا داعي إلى ارتكابه مع إمكان ما لا يستلزمه . ومنها [2] : التصرّف في " العلم " أيضاً ، بحمله على الاعتقاد الراجح - كما صنعه المصنّف - وهو مجاز شائع فلا بأس بأخذه في الحدود .
[1] تقدّم في التعليقة الرقم 13 ، الصفحة : 101 . [2] عطف على قوله سابقاً : أوّلها : التصرّف في لفظ " العلم " بحمله على الظنّ .