ودعوى : أنّ للمجتهد أيضاً دليلا إجماليّاً بالبيان المذكور ، غفلة عمّا قدّمناه [1] من تفسير الدليل الإجمالي ، وما قدّمناه [2] في تحقيق مسائل الفقه من أنّ البحث فيها يرجع إلى إحراز صغريات مستفادة من الأدلّة التفصيليّة بالمعنى المتقدّم ، فإنّ إجماليّة الدليل عبارة عن كون العلم الحاصل به عن وسط واحد ليس إلاّ ، جامع لشتات جزئيّات المسائل ، وما أُخذ من الوسط في دليل المجتهد وإن كان واحداً بحسب المفهوم ، لكنّه واحد جنسي ينحلّ إلى أوساط متكثّرة مندرجة تحته ، اندراج الأنواع تحت جنس عامّ لها ، لكون كلٍّ في حدّ ذاته عنواناً كلّياً ، فالصغرى المأخوذة في هذا الدليل منحلّة إلى صغريات عديدة مشتملة على محمولات متفرّقة مختلفة الحقائق ، ضرورة أنّ قولنا : " هذا ما أدّى إليه اجتهادي " بمنزلة أن يقول - في جملة من المسائل - : هذا ما أدّى إليه الكتاب ، وفي أُخرى : هذا ما أدّى إليه خبر الواحد ، وفي ثالثة : هذا ما أدّى إليه الإجماع ، وفي رابعة : هذا ما أدّى إليه الظنّ المطلق وهكذا ، وهذا هو معنى استناد علم المجتهد إلى الأدلّة التفصيليّة ، وهذا كما ترى ممّا لا إجمال فيه بحسب الحقيقة ولا عبرة بالإجمال المنوط بالاعتبار ، كما أنّ التفصيليّة بهذا المعنى غير حاصلة للمقلّد . وتوهّم كون الفتاوى المجتمعة عنده أدلّة تفصيليّة له ، يدفعه : أنّ الفتاوى المجتمعة جزئيّات حقيقيّة لعنوان واحد نوعي ، وهو مفهوم " الفتوى " الراجعة إلى علم المجتهد واعتقاده ، فليست الصغريات المفروضة هنا في الوقائع الجزئيّة مشتملة على أوساط متفرّقة مختلفة الحقائق كما لا يخفى ، فليس علم المقلّد إلاّ عن وسط واحد إجمالي جامع لشتات المسائل الجزئيّة . وعن الثاني : بأنّ استناد العلم إلى الأدلّة التفصيليّة وحصوله منها ظاهر في الحقيقي الّذي لا يتخلّل معه بين المستند والمستند إليه واسطة ، ولا ريب أنّ استناد علم المقلّد إليها غير حقيقي .
[1] تقدّم في نفس التعليقة ، الصفحة : 110 . [2] تقدّم في التعليقة الرقم 13 ، الصفحة : 103 .