والحق بمقتضى ارتكاز العرف أن الألفاظ الموضوعة لإفادة التكثير والعموم أيضا مثله ، فلا يحتاج في استفادة سريان الحكم إلى جميع الأفراد إلى مقدمات الإطلاق . هذا كله حول المرجح الأول للحرمة . ومما عد من المرجحات حكم العقل بتقديم دفع المفسدة على جلب المنفعة ، ببيان أن المولى أيضا حيث إن مبنى حكمه بالحرمة أو الوجوب دفع المفاسد وجلب المنافع ، فلا محالة في مقام التزاحم يقدم جانب المفسدة . أقول : ولابد وأن يكون مفروض هذا الكلام فيما تساوت وزنة المنفعة والمفسدة أو احتمل تساويهما ، وإلا فمع أقوائية المنفعة فكيف يتصور من عاقل أن يحكم بتقديم جانب المفسدة المرجوحة ؟ وكيف كان فيورد عليه بمنع حكمه بذلك في مفروض الكلام ، ولو حكم فهو حكم انبغائي لكي لا يكون ما صدر عن العاقل لغوا ، وقد مر آنفا أنه لا وجه للرجوع إلى المرجحات فيما يمكن امتثال الوجوب في غير المصداق المحرم ، إلا أن كلام الكفاية هنا مبني على الغفلة من هذه الجهة ، ولذا أورد عليه أخيرا أنه إنما يحكم العقل بهذا التقديم فيما لم يكن في البين قاعدة ولا أصل شرعي به ينحل المعضلة . وبالجملة : حكمه هذا موضوعه مقام قصرت اليد عن جميع الأصول والقواعد الشرعية ، وهاهنا تجري البراءة عن الحرمة في المجمع بخلاف الوجوب ، لكونه في المجمع تخييريا لا تعيينيا [1] انتهى . فإن تخييرية الوجوب إنما تتصور فيما أمكن الامتثال في غير المجمع من الأفراد . هذا . والحق أن وجوب الطبيعة تعييني معلوم لا تجري البراءة عنه ، إلا أن أمر الطبيعة دائر بين المطلقة والمقيدة بعدم الاتحاد مع الحرام ، فإنه لابد من تقييدها به على الامتناع لو غلب جانب الحرمة ، فهذا القيد غير معلوم تجري البراءة عنه كما في سائر شرائط الواجب الغير المعلومة ، وهذه البراءة موافقة لأصالة البراءة