المولى فعلا عن جعل حكم الوجوب على خلافه ، إذ الوجوب الفعلي موقوف على حب فعلي ، وهو لا يجتمع مع البغض الفعلي بالنسبة إلى ذلك الموضوع ، فتدبر جيدا . وبعبارة واضحة : إن القول بالامتناع وإن لم يستلزم منافاة بين وجوديهما الانشائيين ، إلا أنه لا شك في استلزامه المنافاة بين اجتماع الحب الذي هو منشأ الوجوب مع البغض الذي هو ملاك الحرمة ، فإذا سقط أقواهما ملاكا عن الفعلية لجهل المكلف ، فإنما يرتفع فعلية الحرمة - مثلا - وأما ملاكها المتقومة به ، أعني بغض المولى ، فهو باق على حاله ، ومانع عن بلوغ مزاحمه حد الفعلية ، لتوقف فعليته على الحب المنتفي في المقام . فما سبق في الأمر التاسع من الأمور المتقدمة - من أنه لو قيل : بتزاحم الجهات في مقام فعلية الأحكام ، لا في مقام تأثيرها للأحكام الواقعية ، لكان ما يأتي به الجاهل المعذور امتثالا - قد ظهر أنه منظور فيه فلا تغفل . نعم ، إن جعلنا ملاك الامتناع منحصرا في أنه يستحيل كون المولى بصدد الأمر بشئ والنهي عنه ، إذ الأمر تحريك إليه ، والنهي تحريك عنه ، وهما متنافيان بالضرورة ، ما يستحيل حدوث مبدئهما في نفس المولى ، وقيام المولى مقام جعل كليهما ، فإن انقداح العزم على تحريك المكلف إلى الشئ وعنه نفسه متنافيان ، فلو جعلنا ملاك الامتناع منحصرا فيه لكان لما مر مجال ، إلا أن الحق خلافه بحكم الوجدان فيما كان متعلق الحب والبغض عنوانا واحدا ، وإلا فإذا تعلق كل منهما بعنوان خاص صح اجتماعهما فعلا وكان الحكم الفعلي تابعا لأحدهما بشرائطه بناء على الامتناع . المقدمة الثانية : لا شبهة في أن متعلق الأحكام هو فعل المكلف ، وما هو في الخارج يصدر عنه . . . إلى آخره . وهذه المقدمة أيضا مما لا ريب فيها عندنا ، وقد بينا ما عندنا في بحث تعلق الأحكام بالطبيعة ، فراجع ، فإنه منه يظهر اندفاع كل ما قيل أو يقال عليه .