وأما الهيأة فيظهر معناها مع عطف النظر إلى هيأة الماضي والمضارع ، إذ لا ريب أن المفهوم من هيأتهما هي الحكاية عن الإتيان بالمادة ، والأمر بهيئته ليس خاليا عن معنى هذا الإتيان ، بل مفاده هو البعث نحو الإتيان والتحريك ، فالمفاد من هيأته " كن بحيث يصدق لك أن تقول أنا آت " وبالجملة فمفاد الهيأة ليس محض البعث وصرف التحريك ، بل البعث والتحريك نحو إتيان المادة ، وهذا الإتيان هو الذي قد نعبر عنه بالإيجاد ، وكيف كان فالمراد منه أيضا هو الإتيان الخارجي ، فيكون المتحصل من قول المولى : صل هو البعث نحو إتيان الصلاة ، والإتيان والصلاة ليسا إلا خصوص الخارجي منهما ، فلم يقيد بالوجود الخارجي ، بل ليس حقيقتهما إلا خصوص الخارجي ، هذا كله في الأوامر وهيآتها . وأما النواهي فمادتها تشترك مادة الأوامر ، ومفاد هيئاتها هو الزجر عن إتيان المادة بالتفصيل المزبور . ونحوه الكلام في مادة الأمر والنهي ، وألفاظ الوجوب والحرمة ، ونحوهما ، فإنه لا ينبغي الريب في أن الظاهر من متعلقاتها نفس الأمر الخارجي ، فالواجب والمأمور به والحرام والمنهي عنه ليس إلا الخارج ، والأمور الخارجية متصفة بالوجوب والحرمة ونظائرهما . هذا هو مقتضى الفحص عن مقامي الإثبات والثبوت . وعمدة ما يمكن عده محذورا ويستشكل به عليه أمران : أحدهما : أنه لا ريب في أن الأمر والوجوب ونحوهما من الأمور التعليقية التي قوامها بطرف تقوم به ، فإذا كان المفروض تعلقها بالموجود الخارجي ، فما لم يتحقق في الخارج فلا طرف له ، فلا معنى لوجوده ، واللازم في الأوامر منه عدم تكليف العصاة كما لا يخفى . وإذا تحقق المتعلق خارجا فقد سقط الأمر بالامتثال ، إذ الإطاعة علة تامة لسقوط الأمر ، والخارج ظرف السقوط لا الثبوت . وبالجملة فالتكليف الوجوبي أو التحريمي قبل وجود متعلقه لا طرف له حتى يتحقق ويتقوم به ، وبعد وجوده بالإطاعة أو العصيان فهو ساقط بإطاعته أو