الجهة مثل المتساويين يكون طلب المولى لهما في هذا المقدار تخييريا ، وأما بالنسبة إلى ما يوجب أهمية الأهم فيطلب الأهم طلبا تعيينيا ، فالمولى إذا ساق العبد في المرتبة الأولى نحو الأهم فإنما هو لأن يحفظ الجهة المشتركة والمختصة ، فهو أمر تعييني بالمآل ، وإذا قال : وإن لم تفعل فافعل المهم ، فهو بعث مولوي إلى أحد فردي المخير ، بعد فرض تقدير عدم حصول المرتبة العليا التعيينية . وبالجملة : فالمقدور للعبد تحصيل المرتبة العليا ، فهو يعاقب عليه ، وإنما يفوت على المولى من باب اللابدية وعجزه مقدار المهم ، ولذاك فالمولى الذي جعل للأعمال قدرا فكان ثوابه وعقابه تقديرا وتقويما للأفعال ، لا يعاقبه عند ترك كليهما إلا على قدر أعلى ما يمكنه تحصيله وهو الأهم ، ولا يعاقبه عند ترك الأهم فقط إلا قدر ما ينقص عن الأهم ، إذا قيسا في ميزان الأعمال ، لا أقول : إن مصلحة الأهم والمهم ، لابد وأن تكون من سنخ واحد ، فإنه قول جزاف ، بل أقول : إنهما وإن اختلفا في سنخ المصالح لكنها باختلافهما توزن في ميزان الوفاء بأغراض المولى بمثقال واحد ، ولذلك يترجح أحدهما على الآخر ، مع كون مصلحتهما من سنخين ، فيجعل أحدهما أهم والآخر مهما ، فهكذا الأمر في تقويمهما وجعل الثواب والعقاب عليهما . وبهذا البيان تعرف أن القول بالترتب لاستلزامه العقاب على الامرين كليهما غير صحيح . والعجب من صاحب هذا التقرير الثالث ( قدس سره ) حيث قاس تعدد العقاب هنا بتعدده عند ترك الواجبات الكفائية ونحوها حيث يعاقب جميع المكلفين على تركها ، مع أنها فعل بعضهم ولا يمكن اجتماعهم عليه ، وذلك أن اعتبار الوجوب الكفائي اعتبار جعل المأمور به بعهدة الجميع ، ولازمه العرفي عقاب الجميع ، ومأخوذيتهم على فرض تركه ، والفرض أن جميعهم قادرون على تحصيله ، فأين هناك وما نحن فيه ؟ ! والمفروض أنه لا يقدر إلا على أحدهما ، والعقاب على قدر الاستطاعة . هذا .