وهذا ملخص ما في نهاية الدراية [1] . وفيه : أولا : أن تعلق نفس الأحكام العقلية وإدراكات العقل بنفس الملاكات وإن كان أمرا وجدانيا لا يعتريه شبهة إلا أنه لا يلزم على المولى أن يجعل موضوع إرادته التشريعية وحكمه القانوني - فيما أمكن - خصوص هذا الملاك ، بل له أن يأمر بأنواع من الأفعال يجمعها ملاك واحد ، أفلا ترى أنه لا ريب في أن وجه البعث نحو المقدمة ليس إلا جهة مقدميته أو موصليته أو نحو ذلك ؟ بمعنى أن العقل وكل عاقل إنما يطلب المقدمة لهذه الجهة ليس إلا ، ومع ذلك فكما أن الإرادة التكوينية تتعلق بالمصاديق فهكذا فلا ضير في توجيه المولى أيضا أمره إلى عناوين المصاديق المخصوصة ، كنصب السلم والوضوء ، مثلا . والحاصل : أنه لا ريب في أن كل إرادة وحكم فهو لأجل ملاك يراه الآمر أو الناهي في متعلق حكمه ، وفي الواقع يكون هذا الملاك تمام غرضه ، فلو وجب توجيه البعث نحو ذاك الملاك لكان عليه أن يجعل الملاك موضوع أمره فيما أمكن ، ولكان اللازم فيما علم ملاك الحكم أن يكون هو موضوع حكمه ، ولما كان لتخصيص هذا المطلب بالأحكام المستكشفة من طريق العقل وجه أصلا ، مع أن الوجدان حاكم بعدم لزومه كما في مثال المقدمة . وثانيا : أنك قد عرفت أن قصد عنوان المقدمة بالمعنى الذي هو مراد الشيخ ( قدس سره ) لا يستلزم قصد التوصل . وثالثا : أن اعتبار شرط القدرة لا يقتضي تقييد المتعلق بصدوره عن الاختيار ، وذلك أن المكلف قادر على الفعل المطلق الغير المقيد ولو بقدرته على أن يريده ويختاره ، فطبيعة نصب السلم الجامع بين ما يصدر باختياره وغير اختياره ، بل بين ما يصدر عنه وعن غيره تكون مقدورة له ، بملاحظة إمكان تعلق إرادته بهذه الطبيعة ، وحينئذ فلا بأس بأن يوجب المولى عليه هذه الطبيعة الجامعة وهو قادر على المكلف به ، فقدرته واختياره بمنزلة حيثية تعليلية لتعلق التكليف عليه
[1] نهاية الدراية : ج 1 ص 375 ، ط المطبعة العلمية .