وحينئذ فما أفاده بعض المحققين في تقرير بحثه [1] كما ذكر في تقرير بعض الأعاظم ( قدس سره ) [2] وتبعه عليه بعض أجلة تلاميذه [3] سلمه الله تعالى مما لا يمكننا التصديق به . هذا كله بالنسبة إلى إتيان أجنبي به . وأما سائر أنحاء إتيانه فالظاهر أن المكلف مكلف بتحقيق العمل بأية وسيلة ونحو أمكنت له ، فهو مخير بحكم عقله بين أن يفعله بنفسه ، أو يأمر آخر بإتيانه عنه ، أولا ، والشاهد عليه أنه لو أتى بالمكلف به من أي طريق من هذه الطرق لعد في العرف مطيعا لأمر مولاه مشتغلا بامتثاله ، وما ذلك إلا لأن العرف يرى أن المأمور به له هو الجامع بين جميع هذه الأنحاء ، وهو إصداره وإيجاده له ، سواء كان بنفسه أو بغيره . فما في تقريرات بعض الأعاظم ( قدس سره ) [4] من أن الجامع ملاكي لا خطابي ، فالتخيير شرعي لا عقلي عجيب ! وأعجب منه ما في تقرير بعض المحققين ( قدس سره ) [5] من عدم تصور التخيير الشرعي أيضا ، إذ محصل غرضه نفس فعل الغير الذي ليس تحت اختيار المكلف لا تسبيبه إليه . وفيه : أن كون فعل الغير صادرا بإرادته واختياره وقيام غرض المولى بنفس فعله مسلم ، لكنه لا يمنع عن أن يأمر المولى آخر بتحصيل هذا المحصل لغرضه بأن يأمره بإتيانه أو يستأجره له ، فهل ترى إذا تعلق غرض المولى بفعل عبد لولده أو بعض أصحابه ولم يرد أن يأمر بنفسه ذلك العبد ، لترفعه عنه أو جهات اخر فهل ترى أمره للولد أو بعض الأصحاب بتحقيق مقصوده الذي هو ذلك الفعل الصادر من العبد ممتنعا ؟ حاشا وكلا ! بل هو من الامكان بمكان من الوضوح ، بل يقع في اليوم كثير منه ، وقطعا قد وقع منه ( قدس سره ) أيضا كثيرا .
[1] وهو المحقق العراقي ( قدس سره ) في نهاية الأفكار : ج 1 ص 205 . [2] وهو المحقق النائيني في فوائد الأصول : ج 1 ص 75 ، وأجود التقريرات : ص 97 . [3] انظر ذيل أجود التقريرات : ص 97 . [4] أجود التقريرات : ص 75 . [5] نهاية الأفكار : ص 206 .