بالعمل . وكيف كان فحقيقتها ذاك العزم المؤكد ، خلافا لما اشتهر من أنها الجزء الأخير من العلة التامة للفعل ، بل الجزء الأخير هو الأمر النفساني ، وهو إنما يتحقق إن أمكن ، بأن حضر وقت الإتيان ، وإلا فهو مريد وعازم على إتيانه لوقته ، فإذا بقي على إرادته إلى حضور وقته فيأمر عضلاته بالحركة نحوه حينه ، فمفهوم لفظ " الإرادة " هو ذاك العزم ، وهو قد يتعلق بفعل نفسه ، وقد يتعلق بفعل الغير ، والظاهر أن استعمال مادة الإرادة في تفهيم الأمر إنما يكون في قالب الإخبار لا الإنشاء إلا بادعاء وتجوز ، والأمر سهل . وأما البعث فمعناه الحقيقي ، هو ارسال شخص نحو عمل أو إلى مكان ، ولا ريب في إطلاقه على إرساله إليه بأمره به أيضا ، فهو كالطلب يكون الأمر مصداقا له ، ويصح ايجاد مصداق من البعث بمجرد استعماله في مفهومه في مقام الإنشاء بقول المولى : " أبعثك نحو الصلاة " مثلا ، كما لا يخفى . وأما الوجوب : فهو إما بمعنى اللزوم وعدم الانفكاك ، فيقال لكل ما لا ينفك عن الشئ : إنه واجب له ، وبهذا المعنى يقال على الأعمال المكلف بها كأنها لازمة للمكلف لا تنفك عنه . فهو معنى ادعائي مجازي . وإما بمعنى الثبوت يقال على تلك الأعمال ، لثبوتها على عهدته ، وعلى أي الوجهين فهو أيضا مفهوم يتحقق مصداقه باستعماله في مفهومه في مقام الإنشاء . فقد تلخص افتراق هذه المفاهيم الشائعة الاستعمال ، وأن لفظ " الأمر " منها موضوع لمعنى اعتباري متقوم بجعل من بيده الجعل ، وموجود في عالم الاعتبار ، وهذا بخلاف سائر الألفاظ ، فمعناها الحقيقي من قبيل الأمور الخارجية بالمعنى العام الشامل للانتزاعيات ، ولكل منها فرد ادعائي مجازي . كما تبين اختلاف مفهوم الطلب والإرادة ، فالطلب عمل خارجي ، والإرادة عزم نفساني ، والأول قابل لإيجاد مصداق له باستعماله في مقام الإنشاء ، بخلاف الثاني . ومع ذلك كله فالخطب سهل بعد عدم ترتب أثر عملي عليه ، والله المستعان وهو ولي التوفيق .