وأمّا إشكال الدور ، فقد ذكر شيخنا جوابه بتعدّد متعلّق التعهّد والبناء ، فأحدهما : البناء الكلّي ، وهو التعهّد بنحو القضية الحقيقيّة بأنه كلّما أراد تفهيم المعنى وقصد ذلك أظهر قصد التفهيم باللّفظ الخاص الموضوع لذاك المعنى ، وبهذا البناء يصير اللّفظ مقدمةً لإبراز قصد تفهيم المعنى ، ثم إنه في الاستعمالات الخاصّة يكون ذلك اللّفظ الذي كان مقدمةً بسبب التعهّد الكلّي متعلَّقاً للإرادة المقدميّة والتوصليّة ، وبهذا البيان يندفع إشكال الدور ، فكلّ واضع لابدّ وأنْ يكون عنده إرادة وتعهّد كلّي ، وذلك البناء الكلّي يستتبع البناءات والإرادات الجزئيّة ، إذ له عند كلّ استعمال إرادة جزئيّة . لكنّه دام بقاه أورد عليه بالنقض : بأنّ الأطفال والمجانين وحتى بعض الحيوانات لهم وضعٌ أيضاً ، ولا تتمشّى من هؤلاء الإرادة والتعهّد الكلّي . وأورد عليه أيضاً : بأنّ كون كلّ مستعمل واضعاً - كما صرّح به في ( المحاضرات ) - خلاف العرف واللّغة ، وما ذكره من أنّ عنوان « الواضع » ينصرف عن سائر المستعملين إلى المستعمل الأوّل لكونه السّابق ، يخالف مبناه في الانصراف ، فإنّه لا يرى - في جميع بحوثه في الفقه والأصول - للانصراف منشأً إلاّ التشكيك في الصّدق ، فلا تكون الأسبقيّة منشأً له . هذا ، وفي ( المحاضرات ) في نهاية المطلب : إن مذهبنا هذا ينحلّ إلى نقطتين ، النقطة الاُولى : إن كلّ متكلّم واضع حقيقة ، وتلك نتيجة ضروريّة لمسلكنا بأن حقيقة الوضع : التعهّد والالتزام النفساني . النقطة الثانية : إنّ العلقة الوضعيّة مختصة بصورة خاصّة ، وهي ما إذا قصد المتكلّم تفهيم المعنى باللّفظ ، وهي أيضاً نتيجة حتمية للقول بالتعهد ، بل وفي الحقيقة هذه هي النقطة الرئيسية لمسلكنا هذا ، فإنّ عليها يترتب نتائج ستأتي فيما بعد .