قال : وأما ما ربما يتوهّم هنا من أن العلقة الوضعيّة لو لم تكن بين الألفاظ والمعاني على وجه الاطلاق ، فلا يتبادر شيء من المعاني منها إذا صدرت عن شخص بلا قصد التفهيم ، أو عن شخص بلا شعور واختيار ، مع أنّه لا شبهة في تبادر المعنى منها . فأجاب : بأن هذا التبادر غير مستند إلى العلقة الوضعية ، بل إنما هو من جهة الانس الحاصل بينهما بكثرة الاستعمال أو بغيرها [1] . أقول : أمّا النقطة الأولى ، فقد عرفت ما فيها من كلام شيخنا . وأمّا النقطة الثانية ، فيظهر ما فيها من كلامه أيضاً ، مضافاً إلى أنّ دعوى كون الإنتقال من اللّفظ إلى معناه عند سماعه - حتى من الأطفال والمجانين الذين لا يقصدون التفهيم - إنما هو على أثر الأُنس الحاصل بين اللّفظ والمعنى بكثرة الاستعمال أو غيرها أوّل الكلام . وتلخّص : أنه لا دليل على هذا القول ، بل الدليل على خلافه . الفلاسفة وهو مبنى : الوجود التنزيلي ، أي : اعتبار اللّفظ وجوداً للمعنى . وحاصله : إن للشيء أربعة أنحاء من الوجود ، اثنان منها تكوينيّان ، وهما الوجود الخارجي والوجود الذهني ، واثنان اعتباريّان ، وهما الوجود الكتبي والوجود اللّفظي . فحقيقة الوضع عبارة عن اعتبار اللّفظ وجوداً للمعنى ، فإنّه وإنْ كان