المتبادر وليس على قسم من الاستناد إلى الوضع والحاصل أن المراد بكون التّبادر علامة للحقيقة كونه علامة لاستناد فهم المتبادر إلى الوضع لا إلى القرينة فقولهم أنّه علامة للحقيقة مسامحة واضحة أو منزّل على ما هو الغالب من صور استعماله أعني الشكّ في أصل المدلول المطابقي والغفلة عن ذلك أوهم الإشكال المذكور وإن شئت الاستراحة عن هذا الوهم رأسا قلت في تعريفه ما قلنا فينحسم الإشكال من أصله وأمّا التّفصي عن الإشكال بما ارتكبه بعض المحقّقين من أنّ تبادر الجزء واللَّازم ليس تبادرا عن حاق اللَّفظ بل بملاحظة الملزوم والكلّ والعلامة هو التّبادر المستند إلى حاق اللَّفظ فمع أنّه يرد عليه انتقاض علامة المجاز حينئذ لأنّ المدلول الالتزامي والتضمّني على كلامه يتبادر غيرهما أعني المدلول المطابقي من حاق اللَّفظ في حال كونهما متبادرين بذلك التّبادر التبعي يلزم منه فساد القول بأنّ الأثر مثلا حقيقة في الوجوب وعلى خلافه إطباق الكلّ فإنّهم يصرّحون بأنّ المداليل الالتزاميّة والتضمّنية حقائق لا مجازات يريدون به ما أشرنا من أنّ فهمهما مستند إلى الوضع لا القرينة نعم في المقام إشكال آخر عويص لا يكاد ينحسم من كلمات القوم لا تصريحا ولا تلويحا وهو أن هذه العلامة غير مطَّردة في المداليل الالتزاميّة فليس يجري في كلّ مدلول التزاميّ ولذا لم يتمسّك أحد من القائلين بوجوب المقدّمة فيه بالتبادر من الأمر وكذا القائلين بدلالة الأمر بالشّيء على النّهي عن الضد فما الفارق بين المقامات فإن فرق بينهما بخفاء الملازمة وجلائها فيجري في الثّاني دون الأول وبعبارة أخرى في المدلول الالتزامي البين بالمعنى الأخصّ دون الأعمّ أو الغير البين كما قد يستفاد ذلك عن بعض كلمات المحقق القمي رحمه الله في بعض مقدّمات مقدّمة الواجب فيصح البطلان لأنّ خفاء الملازمة وجلائها إنّما يؤثر في خفاء التّبادر وجلائه بمعنى كون التّبادر بدويا أو حاصلا بعد التّأمل لا في أصله وقد يفرّق أيضا بين المقامات باللَّزوم الوضعي والعقلي فإن كان الأوّل بأن كان أصل الملازمة بين المدلولين جعليّة حاصلة من فعل الواضع وجعله واعتباره في عالم الوضع جرى في إثباته ونفيه التّبادر وعدمه وإن كان عقليّا صرفا كالملازمة بين أقلّ الحمل ومدلول الآيتين فإنّها ممّا يدركها العقل وليست ممّا اعتبرها الواضع في ألفاظ الآيتين ولم يجر فيه ذلك وفيه أنّ الملازمة الجعلية ممّا لا نتعقلها في الأوضاع مع أن مجاري التّبادر من الالتزامات كلَّها التزامات عقليّة فإن عدم الرّضا بالتّرك لازم لماهيّة الطَّلب المتأكَّد لزوما عقليّا كلزوم سائر لوازم الماهيات وكذا الملازمة بين مفهوم الشّرط ومنطوقه لأنّ منطوقه وهو كون المقدّم علَّة تامّة للجزاء ومن الواضح أنّ الانتفاء عند الانتفاء الَّذي نسمّيه بالمفهوم لازم عقلي صرف لها وحسم الإشكال هو أن يقال إنّ المراجعة إلى التّبادر في إثبات المداليل الالتزاميّة مقصورة على صورة الشكّ في الملازمة لا محالة والشكّ فيها تارة ينشأ من الشكّ في المدلول المطابقي مع ثبوت الملازمة خفية أو جلية بعد إحراز المطابقة وأخرى من الشكّ في أصل الملازمة مع معلومية المدلول المطابقي فإن كان منشأ الشكّ هو الأوّل أمكن إثبات اللَّازم بالتّبادر ومن هذا الباب إثبات الوجوب للأمر وإثبات المفهوم للجملة الشّرطية لأنّ الشكّ في دلالة الأمر على الوجوب مسبّب عن الشكّ في مدلوله المطابقي وأنّه الطَّلب الغير البالغ حدّ الحتم والإلزام حتّى لا يكون دليلا على الوجوب أو البالغ إليه حتّى يكون دليلا عليه توضيحه أن الطَّلب من الأمور القابلة للشدّة والضّعف يسمّى في المرتبة الضّعيفة بالنّدب وفي المرتبة المتأكدة الشّديدة بالحتم ولازمها عدم الرّضا بالتّرك فالمايز بين الطَّلب النّدبي والطَّلب الحتمي ليس بأمرين خارجين يكونان بمنزلة الفصلين لهما بل التميز بينهما إنّما هو بنفس الطَّلب كالتميز بين مراتب الوجود فكما أنّ الوجود الضّعيف متميّز عن القويّ بنفس الوجود فكذلك الطَّلب الشّديد والطَّلب الضّعيف فالقائل بدلالة الأمر على الوجوب يدعي وضع الصّيغة بإزاء المرتبة الشديدة الَّتي يلزمها عدم الرضا بالتّرك ويستدلّ عليه بالتّبادر والقائل بعدم الدّلالة يدعي وضعها للمرتبة الضّعيفة ويستدلّ عليه بعدم التّبادر فالتّبادر وعدمه إنّما استعملا في مثله في المدلول المطابقي حقيقة لا في المدلول المجازي ومن هنا انقدح جواب آخر عن الإشكال المتوهّم في الأمر السّابق فافهم وكذا الكلام في دلالة الجملة الشّرطية فإنّ الخلاف في دلالتها على المفهوم يرجع إلى الخلاف في أن مدلولها المطابقي ما ذا وأنّه مطلق سببيّة المقدّم للتّالي الَّتي لا يلزمها الانتفاء عند الانتفاء لجواز تعدّد الأسباب أو خصوص العلَّة التّامّة الَّتي يلزمها ذلك فالاستدلال على ثبوت المفهوم للجملة بالتبادر استدلال به على تعيين المعنى المطابقي وكذا الاستدلال على نفيه بعدم التّبادر وإن كان الثّاني بأن كان المدلول المطابقي معلوما وكان الشكّ في استلزامه لذلك اللَّازم لم يكن لاستعمال التّبادر فيه مجال لأنّ مورده إثبات المعنى الموضوع له والمفروض عدم الشكّ فيه بل في استلزامه لذلك اللَّازم ومن هنا لم يتّجه التمسّك بالتّبادر في وجوب المقدمة وفي حرمة الضدّ لأنّ الكلام في هاتين المسألتين إنّما هو بعد الفراغ عن دلالة الأمر على الوجوب وفي أن وجوب الشّيء هل يستلزم وجوب مقدّماته أو حرمة ضدّه لزوما بينا أو غير بين أم لا الثالث قد علم من تعريف التبادر أنّ التبادر النّاشئ من غير حاق اللَّفظ ليس دليلا على الوضع وحينئذ فإن علم الحال من حيث الاستناد إلى اللَّفظ وغيره فلا إشكال وإن جهل الحال فمقتضى القاعدة حينئذ التوقف وعدم الحكم بالوضع ولا بعدمه لأنّ أصالة عدم القرينة الخفية معارضة بأصالة عدم الوضع ومن هنا يتطرّق في كونه