والثالث عموم العلَّة المنصوصة وهي قوله عليه السلام فإن المجمع عليه لا ريب فيه فإن مقتضاه عموم اعتبار الشهرة مطلقا بل ذهب غير واحد منهم الشهيد وصاحب الرّياض إلى حجيّة الشهرة بنفسها نظرا إلى العموم المذكور فضلا عن كونها مرجحة وربّما يستدلّ به على حصول الانجبار للخبر الضعيف بشهرة الفتوى كما عليه عمل قاطبة المتأخرين عن صاحب المدارك ويرد عليه أنّ دعوى العموم إن كانت مستندة إلى رفع المعرّف بلام الجنس كما عليه جماعة فهو خلاف التحقيق عندنا وعند المحققين في بابه وإن كانت مستندة إلى المقام كما في سائر المطلقات فهو ممنوع أيضا لأنّ سبق الرّواية يجعل المقام صالحا للعهد ومع قابلية المقام للعهد لا تقتضي الحكمة العموم بل اللَّازم حينئذ الأخذ بالقدر المتيقن وهو الَّذي وقع السّؤال عن حكمه وما يقال إنّ العبرة بعموم الجواب لا بخصوص السّؤال فهو على إطلاقه غير مرضيّ عندنا بل مورده ما إذا لم يحتمل اختصاص الجواب بخصوص السّؤال بالظهور الوضعي كما إذا سئل عن إكرام زيد العالم فقيل في الجواب أكرم العلماء فإن ورود مثل هذا العام بعد السّؤال عن حكم بعض أفراده لا يقدح في عمومه وأمّا لو قال أكرم العالم بعد السّؤال المذكور فلا نسلَّم عمومه إذ لا وجه له سوى عموم الحكمة وهو غير جار هنا وإن كان جاريا لو ورد مبتدأ من دون سبق سؤال وبذلك يبطل ما قيل في ميزان الفرق بين المقامين من أنّ الجواب لو كان مفيدا تاما مع قطع النظر عن السّؤال فهو ما يقال إن العبرة بعموم الجواب لا بخصوص السّؤال ولو لم يكن كذلك فهو ما يقال إنّ السّؤال يكون مخصّصا كما لو قال في الجواب عن السّؤال المذكور نعم أكرمه فإن هذا الميزان غير مستقيم بل التحقيق ما عرفت من الفرق المذكور ومحصّله أنّ الجواب إن كان محتمل الاختصاص بالسّؤال ولم يكن رفع الإجمال المذكور بعموم الجواب وضعا لم يجز التمسّك بالعموم بل لا بدّ فيه من الاقتصار على القدر المتيقن سواء كان الجواب مقيدا على فرض وروده ابتداء بقوله أكرم العالم أو لا كقوله أكرمه وإنّما الفرق بينهما أنّ القصر على المورد في الأوّل من باب الأخذ بالقدر المتيقن وفي الثاني من باب التخصيص وإن لم يحتمل الاختصاص بالسّؤال ولو لأجل الظهور الوضعي فالعبرة فيه بعموم اللفظ ولا يلتفت إلى كونه مسبوقا بالسّؤال وكيف كان فالاستدلال بعموم قوله فإن المجمع عليه لا ريب فيه ممّا لا وجه له بل هو من موارد كون السّؤال مخصّصا لعدم استقامته إذا صدر مبتدأ لمكان الفاء فهو كقوله أكرمه في المثال المذكور ولا وجه لحمله على العموم بحيث يدلّ على حجية الشهرة بنفسها بل يحمل على خصوص المتعارضين وحمله على مطلق الخبر المجمع عليه كما قيل لا خصوص المتعارضين أيضا لا وجه له بعد ما عرفت من لزوم الاقتصار على القدر المتيقن إلَّا أن يقال إنّ ذلك مخلّ بنظم الكلام المسوق لذكر العلَّة لوجوب الأخذ بالمجمع عليه من المتعارضين لأنّ نظم الاستدلال يتوقف على صغرى وكبرى ولا بدّ في الكبرى من الكلَّية فلو حمل المجمع عليه في العلَّة على المجمع عليه المذكور سابقا وهو أحد المتعارضين المجمع عليه انتفي الكلَّية في الكبرى رأسا ويكون المعنى هكذا انظر إلى المجمع عليه من المتعارضين فإن المجمع عليه من المتعارضين لا ريب فيه وهو كل عار عن الفائدة علما وعملا لأنّ أحد المتعارضين المجمع عليه إن كان معلوم الصّدور فهو ممّا لا ريب فيه فلا فائدة لقوله لا ريب فيه لكونه من إيضاح الواضحات وإن كان غير معلوم الصّدور فمعنى لا ريب فيه حينئذ وجوب الأخذ به لئلَّا يلزم الكذب فالمعنى أنّه يجب أن يعامل معه معاملة ما لا ريب فيه وهو حينما أمر من الأخذ بالمجمع عليه أولا فلا معنى له سوى التأكيد المرجوح فلا بدّ من حمل المجمع عليه على مطلق المجمع عليه الشّامل للشهرة المنفردة عن الخبر أو على مطلق الخبر للمجمع عليه محافظة لصورة الاستدلال والأوّل لا دليل عليه فتعيّن الثاني ويتفرع عليه صحّة ما هو المشهور من انجبار الخبر الضعيف بالشهرة كما يتفرع على الأول حجيّة الشهرة المنفردة المستقلَّة فظهر أن التعدّي عن شهرة الرّواية كما هو مورد الرّواية إلى شهرة الفتوى غير صحيح هذا ويمكن توجيه الاستدلال بعد المساعدة على كون المراد بالمجمع عليه خصوص أحد المتعارضين بأن المجمع عليه والمشهور والحسن والقبيح وأمثالها ممّا يختلف باختلاف الإضافات إذا أطلق على شيء احتاج إلى ذكر تميز يرفع الإبهام عند تساوي جهات الإضافة وعدم انسباق بعضها إلى الذهن فلو قيل زيد حسن فلا بدّ أن يضم معه ما يرفع الإبهام مثل قوله وجها أو نفسا أو علما أو جودا أو نحو ذلك فإن لم يضمّ كان مبهما إلا إذا وقع في مقام قاض بعمومه من باب الحكمة كمقام بيان الحكم الشرعي فيدلّ حينئذ على إطلاق الحسن الملحوظ فيه أو عمومه حسب اختلاف المقامات فإذا قيل أكرم رجلا ولم يذكر التميز وجب إكرام من كان حسنا من جميع الجهات أو في بعضها مخيرا لئلا يلزم تأخير البيان عن مقام الحاجة وهكذا قولنا رجل مشهور فإنّه يحتاج إلى ذكر التميز الرافع للإبهام وإلَّا حمل على الإطلاق لأن اشتهار الرجل قد يكون باعتبار وجوده بحيث يعرفه الناس كلَّا أو جلَّا وقد يكون بملاحظة بعض أوصافه وحالاته فإذا أطلق أخذ بإطلاقه أو عمومه لو لم يكن له منصرف ينصرف إليه فالأمر بأخذ خبر المشهور من المتعارضين إمّا أن يدلّ على اشتراط اشتهاره رواية وعملا في الترجيح أو على كفاية إحدى الشهرتين ودعوى انصرافه إلى شهرة الرّواية خاصة واضحة الضعف بعد وضوح صحّة قولنا الخبر الفلاني مشهور إذا كان مشهورا بين العلماء عملا وبملاحظة ذلك صح دعوى عموم العلَّة لشهرة الفتوى في مقام التّرجيح عند التّعارض لصدق كونه مشهورا إذا كان مشهورا بأحد الوجهين رواية أو عملا لا يقال إذا كان الأمر كذلك فلا بدّ من