هو على ترك الواجب من غير استناده إلى ترك المقدّمة لأن ترك الواجب وترك المقدّمة كلاهما مستندان إلى الصارف فما رامه من إثبات وجوب الخروج مع القافلة وأن ترك الخروج هو الَّذي صار سببا لاستحقاق العقاب فيكون الخروج واجبا غير مسلَّم أن لا سببية في المقام ولا استناد بل ترك الواجب مستند إلى الصّارف فإن قلت ننقل الكلام إلى الصّارف فإن تركه مقدّمة سببيّة فيكون واجبا لأنّ ترك الواجب مستندا إلى عدم تركه فيتم المدّعى قلت أوّلا إن البحث في المقام إنما هو في المقدمات الخارجية مثل الخروج مع القافلة في المثال المذكور وتحصيل الماء للصّلاة ونحوهما دون الإرادة والصارف وثانيا إنّ البحث المذكور آت فيه أيضا فإنا نمنع سببيّة الصّارف لترك الواجب ونقول إنّه وترك الواجب كلاهما مستندان إلى شيء واحد وهو عدم وجود المقتضي للطَّاعة في نفس العاصي فيعاقب على ترك الواجب لكونه أمرا اختياريا من غير أن نلتزم استناده إلى ترك شيء من المقدّمات حتى الإرادة بل مستند إلى خبث ذات المأمور به فإن قلت إنه يلزم الجبر قلنا قد خرجت عن مسألة مقدّمة الواجب إلى مسألة أخرى غامضة ليس هنا محلّ الخوض فيها وقد ذكرنا بعض ما فيه من التحقيقات في أنّ الطَّلب عين الإرادة أو غيرها فإن قلت حين ترك الخروج مع القافلة لم يتحقق منه بعد ترك الواجب فكيف يعاقب عليه قلت ترك الواجب عبارة عن عدم إتيان الواجب وعدم الإتيان مستمر من الأزل إلى الأبد فيعاقب عليه بعد تنجز الطَّلب وتنجز العدم واستقراره لا مطلقا فإن عدم الواجب بعد تنجز التكليف ليس سببا للعقاب مطلقا بل السّبب هو العدم الَّذي يمتنع الوجود بعد وهذا حاصل في محلّ الفرض إذ التكليف تعلَّق بالمكلَّف والقدرة على الامتثال أيضا حاصلة وعدم الامتثال أيضا مستقر ثابت فيعاقب عليه ولا حاجة في تصحيح العقاب على ترك الواجب إلى ارتكاب التكلَّفات المردود على المكلَّف كما عرفت ثمّ إنّ المثال الَّذي مثّله محلّ مناقشة لأنا لا نلتزم بتنجز الخطاب بالحجّ قبل وقته حال خروج القافلة بل نقول إن وجوب الخروج وجوب تهيّائي على التحقيق الَّذي تصدّعنا في إتقانه وإنّما يقول به من قال بالواجب وإن شئت مثالا موافقا للتحقيق فلنفرض ترك المقدمة المنحصرة في أوّل وقت الواجب الموسع بعد دخوله إذ الدليل العقلي المذكور لو تم يجري فيه كما لا يخفى فلو ترك الوضوء مثلا في أوّل وقت الفريضة مع العلم بعدم إمكانه بعد ذلك فإمّا يعاقب على ترك الوضوء أو ترك الصّلاة فعلى الأول يثبت المدّعى وعلى الثّاني فإمّا يعاقب عاجلا أو ينتظر إلى خروج الوقت إلى آخر ما ذكره في الدّليل المذكور وخلاصة الجواب أنّه يعاقب على ترك الصّلاة عاجلا من غير استناد إلى ترك الوضوء ولا يمنع عن تعجيل العقاب سعة وقته لأنّ سبب العقاب عدم الامتثال المستقر وهو محقق عند ترك الوضوء وليس سبب العقاب هو ترك الوضوء حتى يعاقب بسببه بل سببه ترك الصّلاة الحاصل بترك الوضوء على الوجه الَّذي قرّرناه فافهم وتدبّر وأمّا المقام الثّاني ففي ثبوت العقاب على ترك المقدمة الغير المصادف لترك ذيها وهو متفرّع على مسألة التجري لأن التجري قد يكون على فعل الحرام وقد يكون على ترك الواجب فلنتكلَّم في التجري على فعل الحرام أولا حتى يتضح الحال في المقام فنقول إن المشهور على ما نقل هو حرمة التجري واستدلّ عليه بعض بدليل العقل قال ما نقل عنه شيخنا العلَّامة بأنا إذا فرضنا شخصين قاطعين بأن قطع أحدهما بكون مائع معيّن خمرا وقطع الآخر بكون مائع آخر خمرا فشرباهما فاتفق مصادفة أحدهما للواقع ومخالفة الآخر فإمّا أن يستحقّا العقاب أو لا يستحقاه أو يستحقه من صادف قطعه الواقع دون الآخر أو العكس لا سبيل إلى الثاني والرابع والثالث مستلزم لإناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار وهو مناف لما يقتضيه العدل فتعين الأول وتوضيحه بأحسن بيان أن المعصية قبيح عقلا وإن لم يكن حراما شرعا للزوم التّسلسل والفارق بينها وبين التجري ليس إلَّا أمر غير اختياري وهو إصابة المقدّمات للواقع في المعصية وعدمها في التجري والقبح العقلي موضوعه الفعل الاختياري الخالص لأن ما هو خارج عن الاختيار والقدرة فهو حركة البهائم لا يتصف بشيء من الحسن والقبح العقليين ولا له دخل فيهما والمتصف بالقبح الفعلي في المعصية بعينه موجود في التجري وهو الإقدام على مخالفة المولى وهو القدر المشترك بينهما فيكون قبيحا عقلا ومقتضى الملازمة بين القبح العقلي والحرمة أن يكون حراما والحاصل أن مناط الذّم والعقاب العقليين وكذلك المدح والثواب وملاكهما إنما هو الحسن والقبح العقليان فما لم يتصف العقل بحسن عقلي أو قبح كذلك لم يحكم العقل بترتب العقاب على تركه أو ترتب الثواب على فعله وقد أطبق أهل التّحسين والتقبيح على أن الفعل لا يتصف بالحسن ولا بالقبح إلا إذا كان مقدورا للمكلَّف وجودا وعدما فما كان خارجا عن اختياره كلَّا أو بعضا لا يكون حسنا ولا قبيحا حتى إنّه لو احتمل على أجزاء وشرائط عديدة لزم أن يكون كلَّها مقدورة ضرورة أن خروج بعض الأجزاء أو الشرائط عن تحت القدرة يوجب انتفاء قدرة