مستعل بل ينصرف إلى كونه عاليا ويبنى عليه واحتجّ في المختصر وشرحه على كفاية الاستعلاء وعليه الأكثر كما قيل بأن العقلاء يذمّون الأدنى بسبب أنّه أمر المولى فلو اشترط العلوّ لما كان أمرا وتبعهم على هذا الاستدلال غير واحد من أصحابنا المتأخّرين ومنهم بعض المحقّقين وهو عندي غير صحيح أمّا أوّلا فلأنّ المستعلي يجعل نفسه عاليا وينزلها منزلته فيستعلي فالعلوّ المعتبر في مفهوم الأمر موجود في الداني المستعلي ولو على سبيل الادّعاء نظير إطلاق العالم على الجاهل الَّذي يدّعي المتكلَّم علمه فإنّه لا شبهة في أنّ إطلاق العالم عليه حقيقة لغويّة ولو ادّعاء مع أن المعتبر في مفهوم العالم صفة واقعية يضاد الجهل الواقعي بالضّرورة فإن قلت هذا اعتراف بمقالة من يكتفي بالاستعلاء لأنّهم يقولون إن العلوّ المعتبر أعمّ من أن يكون حقيقة أو ادّعاء وتكبرا قلت من يعترف بما ذكرناه فلا بد أن يلتزم بأن استعمال لفظ الأمر في طلب المستعلي حقيقة ادّعائية لا واقعية وهم لا يقولون بذلك بل يزعمون أنّ صدق الأمر في صورة الاستعلاء غير مبني على شيء من التنزيل والادّعاء بل هو مثل الصّدق في صورة صدوره من العالي ومرجع كلامنا إلى أنا لا ننكر صدق الأمر في صورة الاستعلاء لكنا ندعي ابتناءه على نحو من التنزيل والادعاء فيكون حقيقة ادّعائية فافهم فإنّ هذا النّحو من الصّدق لا ينافي ما ادّعينا من صحّة السّلب بخلاف ما يقولونه فإنّ صحّة السّلب لا تجامعه كما لا يخفى وأمّا ثانيا فلأنّه إن أريد باستقباح العقلاء استقباحهم القول الصّادر من الداني على سبيل الاستعلاء كصيغة افعل فهو مسلَّم بل هو من الاستكبار المذموم في القرآن على إبليس لعنه الله تعالى ولكنّه لا يجدي إذ لا مساس له بالمدّعى وهو صدق مادّة الأمر بمجرّد الاستعلاء وكذا لو أريد استقباحهم قول الدّاني للعالي أنت مأمور بكذا لأنّ قبح ذلك أيضا باعتبار دلالته على عدّ الدّاني نفسه عاليا بحكم دلالة لفظ الأمر على ذلك وهو عين الاستعلاء والاستكبار القبيحين وإن أريد أنّ أهل اللَّسان يعبّرون عن طلبه الصّادر استعلاء بلفظ الأمر فمع استدراك مقدّمة الذمّ والاستقباح كما لا يخفى على المتدرّب يرد عليه أنّ غاية ما يلزم من ذلك ثبوت الاستعمال وهو أعمّ من الحقيقة ولو بني على طريقة السيّد من كون الأصل في الاستعمال الحقيقة مطلقا أو مع شيوعه واستمراره لم يفد في المقام أيضا لأنّ التعويل على ظاهر الاستعمال إنّما يصحّ إذا لم يعارضه أقوى منه من العلائم وقد عرفت أنّه يصحّ سلب الأمر عن القول الصّادر من الدّاني على سبيل الإيجاب مستعليا وهذا أصل نافع يجب إمساكه وإعماله في كلّ ما يرد في الاستعمالات الدّائرة من تعارض النفي والإثبات كما إذا قيل للبليد إنّه إنسان وأخرى إنّه ليس بإنسان فإنّه لا بدّ حينئذ من تقديم جانب النفي حيث إنّ الإثبات يجري فيه ما لا يجري في النفي من الاحتمالات المبنية على ضروب المجاز كالمسامحة والتنزيل والادّعاء والتشبيه وغير ذلك ممّا يبعد أو يمتنع وجوده في النفي فتأمل وربما استدلّ بهذا الدّليل كما عن المعتزلة على اعتبار العلو في مفهوم الأمر فهو ممّا استدلّ به على طرفي النقيض ولعلّ نظرهم إلى أنّ الذّم والاستقباح إنّما هو على شيء يرجع إلى اللَّغة وحاصله تغليط أهل العرف قول الدّاني للعالي افعل على سبيل الاستعلاء والتغليط لا يكون إلَّا باعتبار انتفاء الوضع وعدم العلاقة وفيه أنّ الاستعمال الغلط لا يصلح للذمّ وتقبيح العقلاء مضافا إلى إمكان إبداء علاقة التضاد هنا وقد يستدلّ على عدم اعتبار العلوّ وكفاية الاستعلاء بما ذكره العلَّامة قدّس سره في النّهاية من إطلاق الأمر على طلب الداني في قوله تعالى حكاية عن فرعون أنّه قال لقومه ما ذا تأمرون وفي قول عمرو بن العاص لمعاوية أمرتك أمرا جازما فعصيتني وكان من التوفيق قتل بن هاشم وفي قول دريد بن صحت لنظرائه ولمن هو فوقه أمرتكموا أمري بمنفرج اللَّوى وهل يستبان الرّشد إلَّا ضحى الغد وفي قول ابن المنذر لبريد ابن المهلب أمير خراسان والعراق أمرتك أمرا جازما فعصيتني فأصبحت مسلوب الإمارة نادما وفيه بعد الغضّ عن عدم نهوض الاستعمال بإثبات الوضع ما ذكره السّيد في المحصول من أنّ قول فرعون كان لاستمالة قلوب القوم حين ضاق به الخناق ليمحّضوه النصح في مثار الفتنة وقول ابن العاص كان في مقام المكاشرة والمضاحكة وكم له من مثلها وإن شئت فانظر إلى قصيدته الَّتي يقول فيها نسيت مجاورة الأشعري ونحن على دومة الجندل ورقّيتك المنبر المشمخر بلا حدّ سيف ولا منصل إلى أن قال لعنه الله وأين الثّريّا وأين الثّرى وأين معاوية من علي عليه السلام وهكذا جميع ما ورد من تلك الاستعمالات فهي محمولة على الأغراض الزائدة عن غرض التفهيم الَّتي يتوقّف على وضع لفظ في غير موضعه الَّذي عيّنه الواضع هذا مضافا إلى أنّ الأخذ بظاهر الاستعمالات هنا مناف لمقالة المستدلّ من اعتبار الاستعلاء إذ لم يعلم استعلاء الأمر في تلك المواضع ولذا استدلّ بها من ذهب إلى عدم اعتبار شيء من الأمرين كالعضدي حيث وجد الإطلاقات مجرّدة عن العلوّ والاستعلاء ودعوى ثبوت الاستعلاء بقرينة لفظ الأمر استدلال دوريّ كما لا يخفى ولك أن تستدلّ بهذه الاستعمالات على خلاف مقصود المستدلّ فتقول إنّه لا ريب في أنّ مساق الآية صريح في أن قول فرعون ما ذا تأمرون كان لأجل الاستمالة كما ذكره السّيد فلو كان الأمر غير