باعتبار الوضع وأمّا إذا كان باعتبار العلاقة فإن قيل إنّ المجازات داخلة في الالتزام دون المطابقة كما على مبنى هذا الإيراد ظاهرا انتقض حينئذ تعريف المطابقة لأنّه يصدق على الدّلالة على الجزء بهذا الوجه أنّها دلالة على تمام الموضوع له وإن بنى على أنّها مطابقة كما هو عن المحقق الشّريف كان النقض كالأوّل وعلى كلّ تقدير فحديث عدم جواز إرادة المعنيين من اللَّفظ في استعمال واحد غير مربوط بالمقام ولعلَّه لأجل ما ذكرناه قال العلَّامة قدس سره بعد حكاية حديث التبعيّة عن المحقق الطَّوسي رحمه الله كفايتها في تصحيح الحدود وفيه نظر والتّحقيق في توجيه ما ذكره المحقق الطَّوسي رحمه الله في المقام أن يقال إنّه قدس سره جرى في التضمّن والالتزام على اصطلاح علماء البيان حيث إنّ الدلالة الوضعية عندهم مختصّة بالمطابقة فيجعلون الدّلالة على الجزء واللَّازم من الدلالة العقليّة المحضة وتقسيم الدّلالة الوضعية إلى الثّلاثة مبني على اصطلاح أهل الميزان وحينئذ نقول إن الدّلالة الوضعية عنده منحصرة في المطابقة والدلالة الوضعية لا بدّ أن تكون مقرونة بالإرادة فالدّلالة المطابقية خاصّة لا بدّ أن تكون مقرونة بها فكلّ دلالة ناشئة من العلم بالوضع إن كانت مجامعة للإرادة كانت مطابقة وإلَّا كانت عقلية محضة كدلالة الصّورة على المصوّر وبذلك تستقيم حدود الدلالات من غير انتقاض لأنّه إذا استعمل اللَّفظ المشترك بين الكلّ والجزء في الجزء باعتبار وضعه له كانت الدّلالة عليه مطابقة ولا يصدق عليه التضمّن لكونه دلالة على الجزء في ضمن الكلّ لا مطلقا وإذا استعمل في الكلّ كانت الدلالة عليه بالتضمّن ولا يصدق عليه المطابقة إذ المفروض عدم كون ذلك الجزء مرادا للَّافظ فلا يكون مطابقة إذ ليست المطابقة مطلق الدلالة على الموضوع له بل الدّلالة الخاصّة المقرونة بالإرادة فدعوى أنه يصدق عليها دلالة اللَّفظ على تمام الموضوع له ساقطة بعد اعتبار كون الدّلالة من الدلالة المعهودة وهي الجارية على قانون الوضع المقرونة بالإرادة ومن هنا يظهر أنّ التصريح بالتبعيّة في الحدّ بعد ما كان اعتبارها في المحدود مفروغا عنه غير لازم وهكذا الكلام في اللَّفظ المشترك بين الملزوم واللَّازم وممّا ذكرنا يظهر فساد ما ذكره الفاضل الچليني في المقام انتصارا للتفتازاني وهو لزوم التناقض في كلام المحقق قدس سره لأنّه صرّح بأنّ دلالة اللَّفظ على الجزء الَّذي هو مراد اللَّافظ تضمّن وصرّح أيضا بأنّ التضمّن والالتزام يستلزمان المطابقة ومقتضى ذلك أن تكون الدّلالة على الجزء المراد مطابقة أخرى لو كانت هي مطابقة وجه السّقوطان نسبة التصريح الأوّل إلى المحقق قدّس سره مبني على اجتهاد الفاضل وزعمه عموم التبعية الَّتي أبداها المحقّق قدّس سره للتّضمّن والالتزام أيضا وهو اشتباه ناش من جعل التضمّن والالتزام من الدلالة الوضعية دون العقلية والحاصل أنّ هنا مقدّمتين لو ثبتتا كانت التبعية المدّعاة مغنية عن قيد الحيثية إحداهما انحصار الدّلالة الوضعية في المطابقة وهذه المقدّمة ثابتة عند علماء البيان لأنّهم يجعلون التضمّن والالتزام من الدّلالات العقلية لعدم كون فهم الجزء في ضمن الكلّ مقصودا للواضع حين وضع الألفاظ بإزاء معانيها بل قد يكون الموضوع له بسيطا بزعم الواضع مركبا بزعم السّامع فالدلالة التضمّنية موجودة من غير أن تكون مقصودة للواضع والثانية أنّ التضمّن والالتزام عبارتان عن الدّلالة على الجزء واللَّازم في ضمن الكلّ والملزوم وهذه أيضا ممّا لا تنكر لاتفاقهم على استلزامهما المطابقة فحيث كان الجزء مرادا بالاستقلال لم تكن الدّلالة عليه بالتضمّن وبعد هاتين المقدّمتين يستراح عن قيد الحيثية بحديث التبعيّة كما قرّرنا واللَّه الهادي هذا هو الكلام في إغناء التبعية عن قيد الحيثية في الحدود وأمّا الكلام في صحّتها وسقمها فيظهر أيضا ممّا قرّرنا هنا وفي المسألة السّابقة لأنا ذكرنا أن جعل الإرادة من حدود معاني الألفاظ ودخلها في الموضوع له شطرا أو شرطا غلط واضح ومستحيل لائح وكذا القول بتوقف الانتقال والتصوّر على العلم بالإرادة فإن ذلك أيضا مصادمة للبديهة حيث إن الانتقال إلى الموضوع له من اللَّوازم العقلية للالتفات إلى اللَّفظ عند العلم بالوضع ولا توقف له على وجود اللَّافظ فضلا عن شعوره وإرادته نعم الغرض الداعي إلى الوضع إرادة الموضوع له عند استعمال اللَّفظ تحصيلا للإفادة و الاستفادة المتوقفين عليها فكلّ دلالة غير مقرونة بالإرادة غير مقصودة من وضع الألفاظ لكن التعبير عن ذلك بأن الدّلالة تابعة للإرادة لا يخلو عن تعسّف وتكلَّف إلَّا أن يقال إنّ نسبة شيء إلى فعل اختياري ظاهرة في كون ذلك الشيء من الفوائد الملحوظة للفاعل في ذلك الفعل فالدّلالة الوضعية أي الدلالة المنسوبة إلى الوضع الَّذي هو فعل الحكيم ما كانت ملحوظة له حال الوضع وهي ما كانت مقارنة بالإرادة فكلّ ما لا يقارنها من الدّلالات ليست من الدّلالة الوضعية فالدّلالة الوضعيّة تابعة للإرادة بقي في المقام شيئان أحدهما أن قضية تعريف المطابقة بدلالة اللَّفظ على تمام الموضوع له كون دلالة اللَّفظ على المجاز المقرون بالقرائن خارجة عنها داخلة في أحد قسيميها ويؤيّده أو يدلّ عليه أيضا ما عليه علماء البيان من الاتفاق على كون المجازات من الالتزاميات وهذا ربما ينافي ما ذكروه في حقيقة التضمّن والالتزام من أنّ الدّلالة فيهما دلالة تبعية وأنّ الأوّل عبارة عن دلالة اللَّفظ على الجزء في ضمن الكلّ والثاني عن دلالته على اللَّازم في ضمن الملزوم حتّى ذكروا أنّ المطابقة لا تنفكّ عنهما فإنّ قضية التبعية أن ينتقل أوّلا إلى الملزوم أصالة ثم ينتقل إلى اللازم تبعا والأمر في المجازات ليس كذلك لأنّ الدلالة عليها دلالة مقصودة ولأنّ اللَّفظ بملاحظة القرينة يدلّ على المعنى المجازي دلالة صريحة