من خواص النبوة والإمامة والظَّاهر أيضا أنّ علم النّبي صلى الله عليه وآله والوصي عليه السلام بالأشياء عنده ليس فعليّا حضوريّا بل شأنيا موقوفا على مشيّتهم كما هو المشهور بين الأصوليين وحينئذ فيرد عليه أنّه إذا جاز أن يكون علمهم بالأشياء على سبيل الاستعداد والقابلية جاز أن يكون على وجه النظر أيضا وإنّما يمتنع ذلك على القول الآخر من كون علمهم بالأشياء على وجه الانكشاف الفعلي الغير المتوقف على شيء وتحصيلهم العلم باستعمال بعض الأسباب الغيبيّة على ما تنطق به الأخبار بادّعائه لا ينافي التحصيل من النّظر أيضا أحيانا عدولا من تلك الأسباب إلى الأسباب العادية لمصلحة أو نكتة أو داعية كما هو ظاهر جملة من الأخبار الواردة في استنباط الإمام من الكتاب بعض الأحكام استنباطا نظريّا لا يدركه إلَّا الأوحدي العارف بطرق الاستنباط كما لا يخفى على المتدرب الماهر ثمّ إنّ صريح كلام هذا المحقق كظاهر كلام بعض المدققين الاعتراف باستفادة النّبي صلى الله عليه وآله من الكتاب واستفادة الأوصياء بعضهم من بعض ولكنّه يدعي الفرق بين استفادتهم واستفادتنا من كلماتهم وهو تحكم لأنّه إن أراد باستفادتنا استفادتنا من السّنة الظنيّة الثابتة بطريق الآحاد فالفرق مسلَّم ولكنّا ننقل الكلام في استفادتنا من الكتاب والسّنة القطعيّة فإنه لا فرق بيننا وبين استفادة الإمام من الكتاب أو من كلام إمام آخر إلَّا من حيث إن استفادتنا ظنيّة لابتنائها على إعمال بعض الأصول والقواعد الظنية واستفادتهم عليهم السلام قطعيّة لحصولها من غير الاحتياج إلى شيء منها وهذا لا يصلح فرقا إلا على القول بخروج القطعيّات عن الفقه وهو مرغوب عنه سيّما عند هذا المحقق حيث شدد الإنكار على من زعم خروج الضّروريات كلَّية فضلا عن القطعيات عن الفقه وإن أراد من استفادة الإمام عليه السلام من الكتاب غير معناها المتبادر مثل مجرّد مدخلية الكتاب في علم الإمام عليه السلام من غير أن يرجع إلى التّوصّل والنّظر المذكورين في تعريف الدّليل فهو وإن ذكره بعض من سبقه من المدققين حيث قال إنّ علم الملائكة والأنبياء عليهم السلام إنّما هو بالضّرورة وإن كان لذوات الأدلَّة مدخل في حصول العلم لهم لكن لا من حيث إنّها أدلَّة بل من حيثية أخرى إلَّا أنّ هذا الكلام لا محصّل له لأنّا لا نفهم معنى له سوى أن يقال إنّ العلم الحاصل من الدّليل قد يكون مسبوقا بطلبه كالعلم الحاصل من التّواتر الَّذي يطلبه الإنسان في المطالب السّمعيّة ويحصّله ثم ينتقل منه إلى ملزومه وقد لا يكون كذلك بل يحصل من الدّليل الغير المطلوب مثل العلم الحاصل ضرورة من التّواتر الَّذي يعثر به الشخص من غير طلب بل من غير تصوّر لحصوله أوّلا وهذا غير مجد في المقام لوضوح أنّ المراد بكون العلم حاصلا عن الدليل في تعريف الفقه يعمّ القسمين إذ لم يشترط أحد في كون العلم بالأحكام عن الدليل فقها أن يكون ذلك العلم مسبوقا بطلب دليله وإن كان غالب ما يقع منه في الخارج كذلك وإن أرادوا أنّ الكتاب مثلا له مدخل في علم الإمام بالخاصية مثل بعض الأوراد والأسباب الغيبيّة وكذا قول النّبي صلى الله عليه وآله بالنسبة إلى الإمام أو قول بعض الأئمة عليهم السلام لبعض آخر فهو وإن يتمّ به الفرق إلَّا أنه ادّعاء لخلاف البديهي لأنّ كل أحد يعلم أن استفادة الإمام عليه السلام من قول النّبي صلى الله عليه وآله ليس على بعض الوجوه الخارجة من معتاد التّحاور والتخاطب نعم يمكن منع الاستفادة والمدخلية رأسا حملا لظاهر ما ورد في استنباط الإمام عليه السلام من الكتاب على الاستدلال دون الاستنباط وهو جيّد على القول بكون علومهم فعليّة وأمّا على القول الآخر فلا بدّ من إقامة الدّليل على استحالة حصول العلم للإمام عليه السلام من الكتاب على حدّ العلم الحاصل من المحاورات ومنها إخراج الضّروريات لأنّها غير مستفادة من الأدلَّة بل من الضّرورة صرّح به في القوانين وأورد عليه بعض المحقّقين بأنّ الضروريات أيضا مستفادة من الأدلَّة لأنّ العلم بالضّروريّات يتوقف على أمرين أحدهما ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وآله والثّاني صدق النبي صلى الله عليه وآله وحقية ما جاء به والذي يعلم بالضّرورية في الضّروريات إنما هو الأوّل لا الثّاني لتوقفه على ثبوت النّبوة المتوقف على النّظر وأجيب عنه بوجوه كلَّها أو جلَّها ركيكة ضعيفة والتّحقيق في الجواب أنّ النّتيجة تتبع في النظرية والضّرورية المقدّمة الغير المفروغ عنها لا المجموع إذا كانت إحدى المقدّمتين كذلك والمقدّمة الأخيرة أمر مفروغ عنه في جميع الأحكام الشّرعية فالعبرة في ضروريتها ونظريتها بحال المقدّمة الأولى أعني الثبوت من النبي صلى الله عليه وآله وتوضيح ذلك أنه لا شبهة في أنّ العلم النظريّ بعد حصول المقدّمتين ضروري جدّا لأنّه في هذا اللَّحاظ لا يحتاج إلى دليل ونظر آخر وبهذا الاعتبار جعل الأكثر المتواترات من الضّروريات نظرا إلى عدم توقفها بعد التّواتر على وسط ونظر آخرين وقبل حصولهما نظرية قطعا وأمّا بعد حصول إحداهما والفراغ عنها فلينظر إلى المقدّمة الأخرى فإن كانت ضروريّة كان العلم الحاصل منها ضروريّا مثل ما قلنا في العلم الملحوظ بعد حصول المقدمتين وإن كانت تلك المقدّمة الحاصلة نظرية لأنّ العلم إذا لاحظناه في مرتبة حصول بعض مقدّماته استحال اتصافه بالنظرية بالنّسبة إلى تلك المقدّمة لأنّ الشّيء لا يتوقف على مقدّمته الحاصلة بالبداهة ولذا قالوا إنّ الواجب المشروط بعد حصول شرطه مطلق وإن كانت نظريّة كان الحاصل منهما نظريّا وهذا مثل تسمية الدليل بالشرعي والعقلي مع أنّ بعض مقدمات الدّليل في القياسات الشرعيّة عقليّة فإنّ هذه التسمية أيضا تابعة للمقدمة الغير المفروغ عنها فإن كانت شرعية سمّي الدليل شرعيا وإلَّا سمّي عقليّا وحينئذ نقول إنّ العلم بوجوب الصّلاة ضروري في حقّ الفقيه وإن كان بالنسبة إلى غير المعترف بالرّسالة نظريا لأنّ الفقيه لم يعلم به عن النظر في دليل قولك علم به من الدّليل الدّال على النبوة قلنا الفقيه لم يعلم به عن ذلك الدّليل وإنّما علم به عنه غيره كالشّاك في صدق النبي صلى الله عليه وآله والحاصل أنّ كلامنا في العلم بالأحكام