كانت مشتملة على السّنن والآداب قطعا وهو قرينة على حمل قوله صلى الله عليه وآله خذوا مناسككم على الاستحباب أو على القدر المشترك فيكون مجملا نعم في الضّدّين اللَّذين لا ثالث لهما كالجهر والإخفات لا يتجه الرّجوع إلى الإطلاق بعد ملاحظة المقيدين المذكورين كما هو واضح فلا وجه لتعطيل الإطلاق مطلقا وقد يجاب عن قوله صلى الله عليه وآله صلَّوا كما رأيتموني أصلَّي بأنّه مجمل من دورانه بين صيغة الماضي فيكون إخبارا عن حال الصّلاة الَّتي صلَّاها الأنبياء والأولياء السّابقون وبين صيغة الأمر وهو حسن لو لم يدع ظهورها في الأمر إلَّا أن يقال إنّه ظهور غير لفظي فلا يجدي في رفع الإجمال فتدبّر وثالثها كثرة التقييدات الواردة على هذه المطلقات فإنّها توجب وهنها وسقوطها عن صلاحيّة الاستدلال بها في القيود المشكوكة وفيه مع عدم اطَّراده أيضا كما لا يخفى أنّ كثرة التقييد ليست ككثرة التخصيص في توهين العام إلَّا أن يلوح منها عدم ورود المطلق في مقام البيان وهو غير ظاهر من ملاحظة كثرة التقييد فلا بدّ له من بيان آخر ورابعها أن معاني الألفاظ المتنازع فيها معاني جديدة مخترعة من الشّارع غير معلومة ولا معهودة عند المخاطبين ومن المعلوم اشتراط العلم بالمعنى في صحّة التمسّك بالإطلاق وهذه المناقشة من الأغلاط البيّنة لأن ادّعاء جهل المسلمين المخاطبين بها في جميع استعمالاتها على كثرتها وتداولها في السّنين مصادمة للبديهي خصوصا مع ملاحظة مساس حوائجهم إلى معرفة معانيها علما وعملا في كلّ يوم وليلة أو في كلّ سنة فلا أقلّ من العلم بها في جملة من الاستعمالات وهو كاف لنا في الاستدلال ولو بمئونة ما علم في بعضها من تاريخ الصّدور وكونه في أثناء البعثة وأواخره المعلوم وضوح معانيها للمسلمين عنده مع إمكان ادّعاء علمهم بها في أول استعمالاتها بدعوى سبق البيان النبوي قبل التكلَّم بها فإن قلت العلم بوضوح معانيها في بعض الاستعمالات غير كاف لاشتباه متضح المعنى بغيره فوجب التوقف قلت بعد ثبوت اتضاح معانيها في الجملة يتجه التمسّك بإطلاق الباقي أيضا بحمله على ذلك البعض الَّذي فرض علم المخاطبين بمعناه وفيه تأمّل والأولى أن يقال إنّ ذلك البعض له قدر متيقن وهو ما قارن أواخر البعثة فيكفي عند الحاجة إطلاقه كلّ ذلك في كلمات النّبي صلى الله عليه وآله وأمّا كلمات الأئمة عليهم السلام فإنكار وضوح معانيها عند معاصريهم من المسلمين لا سبيل إليه عند من له مسكة وخامسها أن مطلقات الكتاب إمّا أن تكون قد وردت في مقام تشريع أصل العبادات على نحو الإجمال أو بعد العلم ببيانها ومعرفة أجزائها وشرائطها تفصيلا فهي إمّا قضايا مهملة مسوقة لبيان حكم آخر غير الأجزاء والشّرائط المعتبرة فيها على تفاصيلها وهو إعلان أصل التشريع وإفهام جنس التكليف أو واردة في مقام الحثّ والتّرغيب والاهتمام عليها على وجه يجري مجرى المعهود الخارجي ومن الأوّل نحو قوله تعالى أقيموا الصّلاة وآتوا الزكاة وللَّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ للَّه خمسه وللرّسول ولذي القربى وغير ذلك من الآيات والأخبار المقصود بها تشريع الأحكام ومن الثاني قوله تعالى إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر واستعينوا بالصّبر والصّلاة والحديث أنّ صلاة فريضة خير من عشرين ألف حجّة ونحوها لا تحصى عددا وهذا الإيراد متين في الغاية إلا أن اطَّراده في جميع العبادات كالوضوء والغسل والتيمم والصّوم والاعتكاف وغيرها من سائر العبادات أيضا محلّ نظر على أنّ ثمرة الإطلاق غير مختصّة بالكتاب فيجري في السّنة وأخبار الأئمة عليهم السلام وسادسها ما ذكره المحقق القمّي قدّس سره في أواخر المسألة من أنّ المراد بألفاظ العبادات في كلمات الشّارع على القول بالأعمّ ليس هي الماهيّات المخترعة تفصيلا على أن تكون ملحوظة مع ما بها من الأجزاء والشّرائط على وجه التفصيل بل هي مرادة منها على وجه الإجمال الرّاجع إلى ملاحظتها بجنسها الَّتي توجب تمييزها عن غير جنسها كجنس ذات الركوع عن ذات السّجود وهو لا يصلح للاستناد إلى الإطلاق في الأجزاء والشّرائط هذه خلاصة ما حصلنا ونحن بعد إشباع التأمل ما فهمنا منه سوى ما ذكرنا في الوجه الخامس من دعوى الإهمال في تلك المطلقات وعليك بالتأمّل لعلَّك تفهم منه شيئا آخر وسابعها أن المتبادر من الألفاظ المذكورة هي الماهية الصحيحة باتفاق الفريقين إذ الأعمي أيضا معترف بهذا التبادر ولكنه معتذر بأنّه ناش من جهة كونها أكمل وأفضل فتكون المطلقات كلَّها مجملة لانصرافها إلى أمر مجمل وهذا الإيراد على تقدير تسليم التبادر وارد إذ لا فرق في الإجمال بين عدم اتضاح المعنى الموضوع له أو المعنى المنساق منه بقرينة كالكمال ونحوه والثمرة الثّانية جواز إجراء الأصل أو الأصول في أجزاء العبادات وشرائطها المشكوكة على مذهب الأعمي ووجوب الاحتياط والبناء على الجزئية والشّرطية على مذهب الصّحيحي وفيه على فرض صحتها ما عرفت في الثمرة الأولى من أنّها من ثمرات تلك الثمرة فليست بثمرة أخرى مع أنّها بمكان من الضّعف والسّقوط لأنّ الأكثر مع قولهم بمذهب الصّحيحي كما ستعرف قائلون بعدم الاحتياط في أجزاء العبادات وسائر المركبات كما تحقق في موضعه وأوّل من أحدث القول بالاحتياط في مقابل الأكثر وفتياهم المحقّق السّبزواري على ما نقل عنه إلحاقا للشكّ بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين بالشكّ بين المتباينين وقد زيّفناه وأبطلناه وأفسدناه بما لا مزيد عليه في محلَّه وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى ثم تبعه غير واحد من المتأخّرين منهم الرّئيس البهبهاني رحمه الله ذاكر هذه الثمرة فهي على مختاره في مسألة البراءة والاشتغال جيّدة وأمّا