عن القرينة على المعنى اللَّغوي بناء على القول بالنفي وعلى المعنى الشرعيّ بناء على القول بالثبوت قال المحقّق الشريف في شرح قول العضدي حتّى إذا وجدناها ما لفظه هذا إشارة إلى فائدة الخلاف فإنا إن قلنا إنّ الشّارع وضعها لهذه المعاني على أحد الوجهين أراد بهما التخصيص والتخصّص فإذا وجدناها في كلامه مجرّدة عن القرينة حملناها على المعاني الشرعيّة إذ الظَّاهر أنّه يتكلَّم باصطلاحه وهذه المعاني هي الحقائق بالقياس إليه وإن قلنا بعدم الوضع حملناها على المعاني اللَّغوية لأنّه يتكلَّم على قانون اللَّغة وهذه هي الحقائق فيها انتهى وقد أورد على هذه الثمرة إشكالات منها ما ذكره بعض المحققين من عدم تماميّته على تقدير كون الوضع تعيينا كما هو مذهب جماعة من المتأخّرين لعدم انضباط تاريخ الغلبة ولا تاريخ صدور الرّواية فينبغي التوقف في الحمل ثمّ أورد عليه بأنّ قضيّة الأصل تأخّرهما فيتقارنان وهو كاف في المقصود ثم أجاب عنه بأنّ الغلبة ليست ممّا تحصل في آن واحد فلا وجه للمقارنة وبأنّ الأصل المزبور لا يفيد الظَّن واعتباره مشروط به وبأنّه لا يتم في اللَّفظ الوارد في روايات متعددة لاشتباه المقارن بالغلبة مع غيرها حينئذ أقول أمّا أصل الإشكال على الثمرة فلا وقع له لأنّه على تقدير تماميته إنّما ينتج قلَّة الجدوى بها ولا ينتج بطلانها رأسا لإمكان العلم بتأخّر تاريخ الاستعمال عن حصول العلاقة الوضعيّة بالغلبة ولو في الجملة خصوصا في السّنن النبويّة الواردة بعد استقرار أمر الرّسالة وما بعدها إلى زمان فوت النّبي صلى الله عليه وآله ودعوى عدم إمكان العلم به ولو في الجملة ممّا لا ينبغي صدورها عن عاقل مع أنّ حصول العلاقة الوضعيّة بغلبة الاستعمال ممّا لا يتوقّف على انقضاء دهور كثيرة ومضيّ سنين عديدة لأنّا إذا وجدنا لفظا قد استعمل في خلاف الموضوع له بغير قرينة متصلة مرّة أو مرّتين سبق أذهاننا عند سماع ذلك اللَّفظ المجرّد إلى ذلك المعنى المجازي فكيف عن تكرّر ذلك في عرض أيام أو أسبوع أو شهور أو سنين فلا وجه للمناقشة في الثمرة لأجل الجهل بتاريخ الغلبة وتاريخ الاستعمال مع أنّها على تقدير صحّتها تجري على تقدير كون الوضع تعيينيّا لأنّ تاريخ التعيين أيضا غير معلوم ولم يدع أحد من المثبتين تاريخا معيّنا وله دعوى أنّ الوضع على تقدير كونه تعيينيا فالظاهر ثبوته في أوّل زمان البعثة وتبليغ الأحكام ممّا لا يساعدها برهان ولا وجدان إذ من الجائز طروّ الوضع في أثناء البعثة عند اشتداد الحاجة إلى التعبير عن المعاني الجديدة بكثرة سؤالات المسلمين وربما يجعل ما ذكروه في الثمرة دليلا على اتفاق المثبتين والنافين على ثبوت الوضع في أوائل الإسلام وفيه بعد المساعدة على هذا الاتفاق أنّه كما يكون دليلا على ثبوت الوضع في أوائل الإسلام على تقدير التّعيين كذلك يدلّ عليه على تقدير التعين وأمّا الإيراد فلأنّ أصالة تأخّر الاستعمال عن زمان النقل في كلّ لفظ مشكوك المراد معارضة بأصالة تأخّر اللَّفظ الآخر عن ذلك الزّمان وكذا أصالة تأخّر زمان النّقل عن الاستعمال في كلّ لفظ مشكوك معارض بها في لفظ آخر فكلّ من الأصلين مبتلى بالمعارض في نفسه فلا يمكن إثبات التقارن لهما على القول بأنّه قضية الأصل في مجهولي التاريخ أيضا وإن شئت قلت إنّ أصالة التقارن في كلّ من الاستعمالات المجهولة معارضة بها في الآخر وأمّا الأجوبة الَّتي أجاب بها عن الإيراد فهي فاسدة أيضا أمّا الأوّل فلأنّ المقارنة الثابتة بأصالة تأخّر الحادث تلاحظ بين صدور اللَّفظ وبين العلاقة الوضعية الحاصلة بالغلبة لا نفس الغلبة وإن شئت لاحظتها بين صدور اللَّفظ وزمان الاستعمال الأخير الَّذي يحصل به الغلبة فيتعيّن بذلك كون ذلك الاستعمال هو الجزء الأخير لعلَّة حصول الغلبة وأمّا الثّاني فلما مرّ غير مرّة من أن التعويل على الأصول لا يناط بإفادتها الظَّن الفعلي وأمّا الثالث فلأنّ الاشتباه المقارن بغيره لا يوجب انتفاء الثمرة وإنّما يوجبه إذا كان الاشتباه هذا سببا للتوقف في جميع الاستعمالات المشكوكة ولا إلقاء العلم الإجمالي بمقارنة بعضها للنقل المقتضي للحمل على المعنى الشرعي وفساده واضح فلا بدّ حينئذ من الجمع بين مراعاة هذا العلم الإجمالي وبين ما تقضي به الأصول والقواعد العامّة بعد البناء على التوقف والإجمال في الكلّ وبذلك تتحقق الثمرة المزبورة في الجملة والحاصل أنّه لو بني على عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة مطلقا فالاستعمالات المشكوكة المراد تحمل على المعنى اللَّغوي جدّا وأمّا إذا بني على الثبوت فإن علم تأخر الصّدور عن النقل حمل على المعنى الشرعي وإن جهل السّبق واللَّحوق فلا بدّ من التوقف والرّجوع إلى القواعد العمليّة مع مراعاة العلم الإجمالي بأن المراد في بعضها هو المعنى الشّرعي نظرا إلى مقارنة صدور بعضها للنقل قطعا المقتضي للحمل على المعنى الشرعي في الجملة ولا يذهب عليك أنّ هذا غير ما ذكرنا من عدم ثبوت التقارن بالأصلين لأجل المعارضة فإن مرجعه إلى عدم الالتزام بالتقارن رأسا فلا يتوهم اتحاد ما ذكرنا مع ما ذكره المحقق المذكور فيما أورد به أولا على الإشكال هذا كلَّه إذا أردنا تصحيح الثمرة المزبورة وأما لو قطع النّظر عنها فالثمرة واضحة وهو التوقف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية ولو تعيّنا مع جهل التاريخ كما اعترف به المستشكل ومنها أنّها مبنية على القول بتقديم عرف المتكلَّم على عرف المخاطب فعلى القول بالعكس فالثمرة ساقطة إذا كان المخاطب من أهل العرف واللَّغة وهذا الإشكال أيضا ليس بسديد لأنّ المقام ليس من باب الدّوران بين عرف المتكلَّم والمخاطب بل بين عرف المتكلَّم واللَّغة وقد عرفت الاتفاق على تقديم عرف المتكلَّم نعم قد سبق إشكال بعض معاصري المستشكل فيما