الشريعة استعمالهما " . وفي أواخر القرن السادس يستعرض ابن إدريس في مسألة تعارض البينتين من كتابه السرائر عددا من المرجحات لاحدى البينتين على الأخرى ، ثم يعقب ذلك قائلا : " ولا ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا ، والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا " . وهكذا تدل هذه النصوص بتعاقبها التاريخي المتتابع على أن كلمة الاجتهاد كانت تعبيرا عن ذلك المبدأ الفقهي المتقدم إلى أوائل القرن السابع ، وعلى هذا الأساس اكتسبت الكلمة لونا مقيتا وطابعا من الكراهية والاشمئزاز في الذهنية الفقهية الامامية نتيجة لمعارضة ذلك المبدأ والايمان ببطلانه . ولكن كلمة الاجتهاد تطورت بعد ذلك في مصطلح فقهائنا ، ولا يوجد لدينا الآن نص شيعي يعكس هذا التطور أقدم تاريخا من كتاب المعارج للمحقق الحلي المتوفى سنة ( 676 ) ، إذ كتب المحقق تحت عنوان حقيقة الاجتهاد يقول : " وهو في عرف الفقهاء بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية ، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الاحكام من أدلة الشرع اجتهادا ، لأنها تبتني على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر سواء كان ذلك الدليل قياسا أو غيره ، فيكون القياس على هذا التقرير أحد أقسام الاجتهاد . فإن قيل : يلزم - على هذا - إن يكون الامامية من أهل الاجتهاد . قلنا : الامر كذلك لكن فيه إيهام من حيث أن القياس من جملة الاجتهاد ، فإذا استثني القياس كنا من أهل الاجتهاد في تحصيل الاحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس " . ويلاحظ على هذا النص بوضوح أن كلمة الاجتهاد كانت لا تزال في الذهنية الامامية مثقلة بتبعة المصطلح الأول ، ولهذا يلمح النص إلى أن هناك من يتحرج من هذا الوصف ويثقل عليه أن يسمى فقهاء الامامية مجتهدين .