القول الخامس : ما اختاره السيد الأستاذ قدس سره من أن الجملة الانشائية موضوعة لإبراز أمر اعتباري نفساني من الوجوب أو الحرمة أو الملكية أو الزوجية أو الاستفهام أو التمني أو الترجي ، وقد أفاد في وجه ذلك أنه ليس في موارد الجمل الانشائية عند التحليل إلا اعتبار شئ في صقع الذهن وابرازه في الخارج بمبرز ما ، هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى ، إن ما هو المشهور والمعروف بين الأصحاب من أن الانشاء عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ لا يرجع إلى معنى محصل ، وذلك لأنه إن أريد بالايجاد الايجاد التكويني كإيجاد الجوهر والعرض ، فبطلانه من الضروريات التي لا تقبل النزاع ، بداهة أن الانشاء من المولى بما هو مولى لا يمكن تعلقه بالموجودات الخارجية بشتى اشكالها وأنواعها ، فإنها توجد بوجود أسبابها وعللها التكوينية ، والمفروض أن الألفاظ ليست واقعة في سلسلة عللها وأسبابها لكي توجد بها ، وإن أريد به الايجاد الاعتباري كإيجاد الوجوب والحرمة أو الملكية والزوجية وغير ذلك ، فيرد عليه أن الايجاد الاعتباري بيد المعتبر وجودا وعدما ، لأنه فعل اختياري له مباشرة ، ولا يعقل فيه التسبيب ، ومن هنا يكفي في تحققه نفس الإعتبار النفساني من دون حاجة إلى اللفظ والتلفظ به ، ولا يعقل أن تكون الجملة الانشائية سببا وعلة لإيجاده ، وإلا لكان فعلا تسبيبا وهذا خلف ، نعم يكون اللفظ مبرزا له في الخارج لا موجدا له ، وأما الإعتبار الشرعي أو العقلائي ، فهو مترتب على الجملة الانشائية إذا استعملت في معناها الموضوع له لا مطلقا ، والكلام فعلا إنما هو في تعيين هذا المعنى وتحديده سعة أو ضيقا [1] .