الأوّل فهو مدلول التزاميّ عقليّ ، فيكون أصلاً مثبتاً فاقداً للحجّية . وعلى الثاني وإن كان صحيحاً لأنّ دليل الأصل أمارة وهي حجّة في مدلولها الالتزامي ، إلاّ أنّ الإشكال متوجّه من جهة أُخرى هي أنّ المدلول الالتزامي للأمارة لا يثبت إلاّ بعد ثبوت مدلولها المطابقي . ولكي يكون دليل الأصل تامّاً في المقام لا بدّ أن يكون الطرف الآخر الذي لم يجر فيه الأصل منجّزاً ، وإلاّ تعذّر الاستناد إلى الأمارة لإثبات البراءة في الطرف الأوّل . وعليه يتوقّف إثبات المدلول المطابقي على إثبات المدلول الالتزامي ، والمفروض عدم تحقّق الأخير إلاّ بعد ثبوت الأوّل ، فيدور . ثانياً : إنّه لا بدّ من التمييز بين ألسنة جعل الأحكام الظاهرية ، فإنّ بعضها قد يكون بلسان جعل البدل كقوله « بلى قد ركعت » بمعنى جعل المشكوك منزلة المعلوم تعبّداً ، وفي مثل هذا اللسان يمكن أن يتمّ النقض المذكور ، إلاّ أنّ المحقّق النائيني بصدد إجراء الأصول العملية التي من قبيل « كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم نجاسته » . ومن الواضح أنّ مفاد هذا اللسان ليس هو جعل البدل بل غاية ما يفيده هو الحكم بطهارة ما يجري فيه الأصل ، وأمّا الطرف الآخر فلا تثبت نجاسته إلاّ بالأصل المثبت ، وهو ليس بحجّة كما عرفت . ولا يخفى أنّ هذه المناقشة إنّما تتمّ بناءً على ما يذهب إليه النائيني من الفرق بين المجعول في ألسنة الأحكام الظاهرية من الأمارات والأصول ، وأمّا بناءً على أنّ الاحكام الظاهرية عموماً هي نتيجة التزاحم الحفظي بين ملاكات الواقع - كما هو مبنى الأستاذ الشهيد - فلا تأتي هذه المناقشة [1] .