بالطبع لا يعني هذا الكلام أنّ العقل عاجز عن إدراك الحقائق الإلهية ، بل المقصود إنكار أن يكون العقل حاكماً على أفعال الحقّ سبحانه وتعالى ، فإنّه عزّ وجلّ لا يفعل القبيح ؛ لأنّه موجود يمتاز بكمالات لا متناهية تقتضي عدم صدور القبيح منه سبحانه ، وليس السبب في عدم صدور القبيح هو الحكم العقلي بالحسن والقبح . فتحصّل أنّ حجّية القطع بالمعنى الذي بيّناه في المقام إنّما هي حقّ لله سبحانه وتعالى ، وإدراك العقل لهذا الحقّ إدراك معلّق على عدم ورود إذن من الشارع بالترخيص في مخالفة القطع ، فالترخيص المفترض سيكون رافعاً لموضوع الحكم العقلي بوجوب المتابعة . سيراً على هدي هذه الحقيقة يتّضح الجواب عن جميع الوجوه والإشكالات التي تقدّمت في إثبات استحالة الردع عن العمل بالقطع . أمّا بالنسبة إلى لزوم اجتماع الضدّين فهو غير وارد ، إذ العقل عندما أدرك وجوب المتابعة والانقياد فإنّما أدركه على نحو التعليق والاقتضاء ، ومع افتراض ورود الترخيص في مخالفة القطع سيرتفع موضوع الإدراك العقلي المذكور من أصله . وأمّا ما ذكر من أنّ الترخيص لمخالفة القطع هو نحو من التفكيك بين اللازم والملزوم ، فإنّ ذلك صحيح فيما لو كان التلازم المدّعى كالتلازم الحاصل بين الأربعة والزوجية ، أمّا لو كان تعليقيّاً بالنحو الذي بيّناه فلا يلزم منه المحذور المذكور . وأمّا لزوم مخالفة الحكم العقلي ، فبطلانه واضح مع القول بتعليقيّة الإدراك العقلي في وجوب متابعة القطع ، وكذلك الحال في شبهة نقض الغرض . هذا كلّه في عالم الثبوت والإمكان ، ولكن يبقى السؤال : هل المولى رخّص فعلاً في مخالفة القطع ؟ وهل ذلك ممكن إثباتاً ؟