ومن ثمّ ينبغي الوقوف على الفرق بين المقامين . في هذا المجال لقائل أن يقول بأنّ الفرق واضح ، وهو أنّ المكلّف في حالة القطع بالحكم الشرعي لا يمكنه قبول الردع عن العمل بما قطع به ؛ ضرورة أنّه - حينئذ - يقطع بالتناقض ، أو نقض الغرض ، أو اجتماع الضدّين ، وهذا بخلافه فيما لو كان الحكم الشرعي مظنوناً أو مشكوكاً للمكلّف ، فإنّ متابعة الظنّ حكم تعليقيّ من الشارع ، معلّق على عدم النهي عنه ، وورود المرخّص على مخالفة ذلك الحكم سيكون رافعاً لموضوع وجوب المتابعة من الأصل ، فلا يلزم شيء ممّا ذكر . قال المحقّق الخراساني قدّس سرّه : « إنّ وجوب اتّباع القطع إنّما هو على التنجيز والعلّية التامّة ، لا على صرف الاقتضاء ، والتعليق على عدم المنع منه شرعاً ، وذلك لأنّ القطع لمّا كان بنفسه يحكي الواقع ، ويكشف عنه تمام الانكشاف بحيث يراه القاطع بلا سترة ، ولا حجاب ، ولا نقاب ، كان كما لا يمكن أن تناله يد التصرّف والجعل أصلاً ، لا تكويناً ولا تشريعاً ، نفياً وإثباتاً . . . إلى أن قال : وأمّا التشريعي فإ ثباتاً ، لأنّ الجعل التشريعي التعبّدي ، لا يعقل لتعلّقه بالأمور التكوينية الواقعة معنىً ، كما لا يخفى ، ونفياً لأنّ نفي كشفه شرعاً الراجع إلى عدم وجوب اتّباعه ، أو إلى المنع عنه ، راجع إلى ترخيص فعل ما يقطع حرمته ، أو منع فعل ما يقطع وجوبه ، فكيف يمكن أن يذعن به مع الإذعان بضدّه ونقيضه في الحكم المقطوع به في مرتبة واحدة وهي مرتبة الحكم الواقعي لانكشاف الواقع بحاقّه من دون سترة موجبة لمرتبة أخرى ، غير تلك المرتبة ، ليكون الحكم فيها حكماً ظاهرياً لا ينافي ما في المرتبة الأخرى » [1] .
[1] درر الفوائد في الحاشية على الفرائد ، مصدر سابق : ص 25 .